بقلم : حسن المياح …
لو أثير سؤال مؤمن جاد عن جوهر وحقيقة الحراك السياسي في العراق بعد عام عام ٢٠٠٣م الذي سقط فيه النظام الدكتاتوري الشمولي المجرم الفاسد العفلقي الصدامي بسبب الغزو الأميركي البريطاني للعراق ، لإختلفت الأجوبة عليه بإختلاف مشارب الإنتماء ، وما تؤول اليه المصالح والمنافع لمن يدلو بدلوه التحليلي والتفسيري الذي منه ينطلق للإجابة على السؤال . لذلك لا تجد الموضوعية بل التحيز ، ولا تجد الصدق بل الكذب والتزييف ، لأن الكل يريد جاهدآ نفسه وإمكاناته ، أن يكون جوابه هو الأصح والأتم والأصدق ، بما تملي عليه مرتضياته النفعية الوجودية الحاكمة التي يتصدر من خلالها المشهد …… . وبذا في تصوره الضيق الأحمق ، يظن نفسه أنه هو الأصلح أن يكون القائد ، أو الزعيم ، أو السياسي الصالح ، الذي يقود المسيرة ……
وطبيعة الإصلاح ، أنه لا يقبل إلا السير والمضي على خط الإستقامة والعدل والمساواة ، ولا يتشرعب تفرعات مصالح حزبية ، أو منافع ذاتية سياسية ، وذلك لوحدانية وأحدية خط الإستقامة الذي لا يتعدد ولا يتنوع إختلافآ ؛ وأن التفرعات هي في تعدد وتنوع مختلف متضارب وفقآ للإنتماء المتنوع المتعدد ، وللولاء المختلف المتقلب المتجدد …… فكل يدعي من موقعه السياسي الذي هو فيه وعليه ، ومن سلطانه العددي والعسكري المليشياوي الذي يملك ….. ، الإصلاح … ، وأنه هو المصلح لا غير ….؟؟؟
والناقد الموضوعي المتجرد الذي يتحدث بوعي ومهنية وضمير ووجدان يجيب إجابة تختلف تمام الإختلاف عما يجيبه أولئك الذين ذكرنا ، وذلك لأنه لا مصلحة له لما يشخص الداء ، لكي يحدد العلاج الناجح ، وأنه ينظر للأمر والقضية من خارج ومن فوق ؛ وليس من داخل ، ومن خلال ، ولذلك هو الحر الطليق الذي لا يتأثر ، ولا يستجيب لما يملى من فروضات وتعليمات وتوجيهات وقاهرات ولاء وإلتماسات وواجبات إنتماء ، كما هو فيمن ينطلق من داخل شرنقة الإنتماء والولاء والمصالح والمنافع . فهو الموضوعي بما يقول ، والمتجرد فيما يحكم ويفسر ويعلل ويشير ….. . وقل مثل هذا العنصر الناقد الموضوعي المتجرد في حالنا الحاضر ….. والقلة لا تعني عدم الوجود ؛ وإنما هي تميل الى ندرة الوجدان ، وأنه العملة الصعبة لما لها من ثمن صرف مرتفع ، وتبادل قيمة سامق …….
وحال السياسة والحراك السياسي بعد عام ٢٠٠٣م — ومن خلال التجارب والحوادث والممارسات — أنه واقع فاسد بعيد عن الصلاح والإصلاح . وبعده عن الصلاح يكمن في أنه أسس للكوارث والمآسي والإنحرافات والظلم والإجرام والفقر والنهب والسلب والقتل لعدة أسباب وعلى عدة تشخيصات من هوية ومذهبية ومناطقية وإنتمائية وولائية ، وما الى ذلك ….. ؟؟؟ وأما بعده ( الحراك السياسي ) عن الإصلاح ، لانه يؤمن بالمحاصصة السياسية الحاكمة المجرمة التي تتسلط وتتمكن وتتصرف ، وتوزع ثروات العراق على شخوصها القيادية وتكويناتها الحزبية ، بمعزل عما هو الشعب العراقي ، وما له من حقوق وإستحقاقات ، بمعنى أن الشعب العراقي هو بمثابة《 اللامفكر فيه 》…. وأن 《 المفكر فيه 》فقط هو ذات المسؤول الحاكم المتسلط ، وما يتبعه من ذيل متحزب الذي ينش ويدافع عنه ، ويعمل إنتماءآ وولاءآ للأمين العام للحزب ، أو الزعيم السياسي الحزبي ، أو القائد للتكوين الحزبي ، وما الى ذلك من تأسيسات عصابات متصعلكة همها السلب والنهب ، بتوسل الإغارة والقتل ….. وهذا هو مفهوم الصعلكة الجاهلي الذي يحكم كل الحراك السياسي في العراق ……
وعليه ، ومن خلال هذا التبسيط الواضح الموجز المكثف نستطيع أن نقول ، أن ركائز واساسيات الحراك السياسي الذي يقوم ( بتشديد الواو ) السياسة في العراق بعد عام ٢٠٠٣م ، ويجعلها عاملة نشيطة ، متقاتلة متحاربة ، وفي صراع دام دائم ، هي أن الحراك السياسي يعتمد مبدأ توزيع ثروات العراق على أساس المحاصصة ، لتحقيق منافع الذات ومصالح الحزب ، وهذا هو مبدأ البراجماتية ومذهب المنفعة للفيلسوف الأميركي الرأسمالي الديمقراطي وليم جيمس …. وهنا يكمن الخلاف الذي هو الشر المؤدي الى الفساد والإنحراف ، والظلم والإجرام ، والإستئثار لشخص المسؤول وحزبه ، وحرمان الشعب العراقي من إستلام حقوقه ……… وليس هو يعتمد على الإختلاف في البرامج والمناهج السياسية ليمضي حوارآ ، ودراسة مستفيضة ، وتحليلآ علميآ دقيقآ ، وإنتقاءآ حكيمآ متوافقآ على ما هو الأصلح من خلال الغربلة والجمع ، أو على أساس نظرية الإنفصال والإتصال في الإستقراء القائم على أساس نظرية الآحتمال …… وهذا لا يروق لهم ، لأنه لا يحقق غاياتهم النفعية المكيافيلية في المحاصصة ….. ؟؟؟
فأساس الفساد في الحراك السياسي التنافسي بين التكوينات الحزبية السياسية بعمومها ومجملها وشمولها بعد عام ٢٠٠٣م ، هو في الخلاف المستأثر على توزيع المنافع والمصالح القائم على أساس المحاصصة المجرمة الظالمة الناهبة من مناصب ومواقع حكومية ، وثروات العراق …….
والذي ينشد الإصلاح ، فما عليه إلا أن يتبع الإرتكاز الثاني الذي يقوم على أساس التحاور المغربل المدقق للبرنامج والمنهج السياسي الحكيم المنتقى الذي يحقق صلاح السير على خط إستقامة العدل والمساواة بما يرضي الله سبحانه وتعالى ، ويضمن التوزيع العادل الشامل لكل ثروات العراق ، وكل مناصب ومواقع المسؤولية في الدولة والحكومة ، وفقآ لمبدأ الكفاءة والنزاهة والشجاعة على أفراد الشعب العراقي …. بلا تمييز حزبي ، ولا تفضيل شخصي ، لأن أفراد الشعب العراقي كأسنان المشط إرتفاعآ ومساواة ، في قانون العدل الإلهي في الحاكمية والتوزيع والمحاسبة ……
حسن المياح – البصرة .