بقلم : حسن المياح …
التحليل السياسي يقوم أساسآ ويستند على الحدث ، والحدث يمكن تشبيهه للسهولة والبساطة بالشخص المريض . وعادة المريض أنه يطرح على السرير من أجل التعامل معه ، وفحصه ، وتشخيص المرض الذي هو فيه وعليه ….. والحدث لما يقع هو كالمريض المسجى على السرير ، والذي يعالج المريض هو الطبيب ، كما أن يتناول ويعالج الحدث والخبر هو الناقد الذي يحلل الخبر والحدث السياسي . وهنا يجب أن نلتفت الى مائز مهم وضروري وهو أن الطبيب المختص المعالج يكون موضوعيآ متجردآ من الإنتماء الآيدلوجي وخاليآ من الميل العاطفي للولاء الحزبي السياسي ؛ بينما الناقد السياسي الذي هو المحلل السياسي تشوبه شبهة ميل ذاتي نحو الإنتماء والولاء إذا كان منتميآ حزبيآ ، أو أنه يعتريه ميل عاطفي ينحاز من خلاله الى جهة سياسية أو سياسي معين ، لما يتوافق مع مزاجه الذاتي وطبيعة تأثر تفكيره الى ما يميل اليه إيمانآ أو تعاطفآ أو منفعة ذاتية …. وهنا يدخل العامل الذاتي مؤثرآ على الناقد السياسي في تحليله وإصدار حكمه وبيان رأيه ، بالوقت الذي فيه الطبيب هو المعالج المتخصص الحيادي الموضوعي الذي لا يشوب مراس تطبيبه أي شائبة تأثر أو ميل عاطفي نحو الشخص المريض الذي يريد علاجه ، وإن كان الطبيب يتمتع بحس إنساني وعاطفة رحمة لما يعالج المريض ؛ ولكنهما لا يؤثران على علمية الفحص ، وموضوعية التشخيص ، وسلامة التطبيب ……
فالطبيب والناقد كلاهما إنسان من عقل وعاطفة ، ولكن عقل الطبيب عقل إيجابي حيادي موضوعي علمي يتبع القوانين الطبية المحددة المعينة ، وتقل ، بل تتضاءل فرصة وفسحة الإجتهاد في الخروج على الإرشادات الطبية ، لما لقوانين الطب من صرامة ودقة وعلمية علومه ونظرياته من إستيعاب وشمول وإحاطة بالأمراض ، لذلك يكون الإجتهاد وإنفتاح أفق الإبداع في التفكير الطبي العلمي محدودآ وقليلآ . وعلى أساس هذا ، نرى أن الإكتشافات الجديدة في الطب تظهر بسير هاديء متئد متدرج ، فيه نوع من البطيء والتأخر ……. ولكن يبقى الطبيب هو صاحب الرأي المتفرد في التشخيص والعلاج ، لأنه يتعامل مع ما هو علمي موضوعي ثابت ، وهو المرض الذي يتعرض له الإنسان ….. والجانب العاطفي الذي عند الطبيب هو الرحمة والعناية التي يسكبها الطبيب على مريضه بروح إنسانية مؤمنة كريمة عالية الخلق وحسنة السلوك والتصرف التي تسعف المريض معنويآ ….. وهذا ما يتمتع به الطبيب المعالج على كل حال …..
بينما الناقد السياسي الذي هو المحلل السياسي يختلف حاله عن حال الطبيب عقلآ وعاطفة في تناول الموضوع ، الذي هو الخبر والحدث ….. لأن الخبر والحدث ليس هو نفس المرض العضوي بعينه الذي يخضع الى فحوص علمية طبية معلومة ومحددة تتعامل مع نوع وحيثية المرض المعين المحدد من خلال أعراضه البادية للطبيب المختص ….. ؛ وإنما الخبر والحديث ، وصحيح أنه محدد ومعين كما هو المرض ؛ ولكن هناك فرصة وفسحة كبيرة جدآ للإجتهاد والتوسع والتفرع في تناول الخبر والحدث عقلآ وعاطفة ، وبالرغم من الثوابت التي تخضع اليها الأخبار والحوادث ….. وهذا ما يعتمد على الناقد السياسي الذي هو المحلل السياسي للخبر والحدث ….. فالناقد السياسي لما يستخدم عقله في تحليل ونقد الخبر والحدث ، فإن عقله — وفي نفس الوقت — يحتوي على جنبة علمية في التحليل والنقد ، وعلى جنبة إجتهادية مفتوح لها سقف ، ومتوسعة لها أطر الإبداع والخلق والتفكير والتوظيف ، في تحليل ونقد الخبر والحدث ، لما للخبر والحدث من توسع شبكات ، وتفرع تواصل إرتباطات بجذور ومواضيع أخرى متشابكة ، تجعل الناقد السياسي في مرونة تناول معطيات ، وتحول وتقلب خوض غمار أسباب أخرى تكون لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة — ولو من بعيد — بالخبر والحدث …… ولهذا نرى الإختلاف والتعدد في وجهات النظر لما يبديه النقاد السياسيون الذين هم المحللون السياسيون ، للخبر والحدث ….. لذلك لا نحس ولا نشعر لرأي الناقد السياسي من مثل شدة وحدة ووحدة وصرامة وفرض ما يشخصه الطبيب بالنسبة للمرض ….. ولذلك لا يمكننا أن نشهد الطابع العلمي الحاد الصارم الفارض التام الكامل الذي يتميز وينفصل والذي لا يقبل الإفتراضات أو الإحتمالات أو النظرات الأخر ، كما هو عند الطبيب المعالج للمرض ، في نقد وتحليل الناقد السياسي …. ؛ وإنما تكون للرأي السياسي الناقد هناك من إحتمالات ، وتفسيرات ، وتأويلات ، وإفتراضات ، وتكهنات ، ونظرات ، وتطلعات أخر ، هي غير ما هو رأي الناقد والمحلل السياسي الذي يطرحه في الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي …… ولا ننسى الجنبة العاطفية التي تتملك الناقد السياسي ، وما هو عليه من إيمان بآيدلوجية ، وميل تحزب سياسي ، وولاء نصرة ، التي تؤثر وبشكل قاطع وأكيد على تفكيره وتحليله ونقده وإصدار حكمه وبيان الرأي الذي هو عليه ، والذي يذيعه في وسائل ووسائط الإعلام والتواصل الإجتماعي …
وحتى فيما يؤلفه من مقالات وكتابات ، وكراريس وكتب ، ومصادر ومجلدات …..
الإعتقاد الآيدلوجي المؤمن ، والميل العاطفي للناقد والمحلل السياسي ، لهما التأثير الكبير على الناقد السياسي نفسه لما يتناول الخبر والحدث ، فهو أما — إذا جمعنا الجنبتين كليهما العقل والعاطفة عند الناقد السياسي — أن يكون ناقدآ ومحللآ سياسيآ موضوعيآ علميآ متجردآ في تناوله للخبر والحدث — وطبعآ لم يكن أي ناقد سياسي مهما كانت درجة وثوقية موضوعيته وعلميته البحثية وتجرده ناقدآ موضوعيآ صرفآ ، إذ لا بد أن تتفاعل مع عقله العاطفة التي يحملها ويستبطنها وهي من صميم خلقته ووجوده الإنساني ، بأي نوع ودرجة كانت ، فإنها تؤثر على رأيه وتفكيره وإصدار حكمه — ، فيكون رأيه السياسي الناقد أكثر تعقلآ وحكمة ودقة وملامسة تحليل وتفسير وتأويل ومعالجة للخبر والحدث ، وبذلك نطلق عليه الوصف بأنه《 الناقد أو المحلل السياسي 》لما له من درجة وعي وتوازن في التعامل ومعالجة الخبر والحدث السياسي ….. وإلا فإن عمله يوصف ب《 التهريج ، والترويج المنحاز 》— ولا قيمة لهذا النقد والتحليل السياسي للخبر والحدث لما يتمتع به من سمة مكيافيلية رخيصة ….. — لما للمؤثرات — مهما كان نوع تلك المؤثرات من عقلية إعتقاد ، أو عاطفة ميل ومحاباة وتقرب ، أو ملق منفعة وإستعطاف مصلحة ، أو قلة وعي وإستيعاب ، وما الى ذلك من جواذب ومؤثرات ….. من فعل موج إنحراف وتغيير وتحريف ….
والخلاصة ، فأن الناقد السياسي هو أما أنه《 محلل سياسي 》جاد يشار اليه بالبنان ، وله إعتبار وتوقير إحترام فيما يذيعه في وسائل ووسائط الإعلام والتواصل الإجتماعي من تحليل وتفسير ورأي للخبر والحدث ……. أو هو《 مهرج خردة ، ومتطفل سفاهة ، ومروج تزييفات وأكاذيب ، وتخريفات وهلوسات ، وتمنيات خيالية طائرة حالمة 》ولا قيمة ولا وزن ولا تقدير ولا إعتبار لما يذيع ، ويهلوس ، ويهذي من هذر تصريحات وهمهمة كلام ممسوس مجنون …..
حسن المياح – البصرة .