بقلم المهندس:- حيدر عبدالجبار البطاط …
(اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [الروم: 11]
لقد صمم الله تعالى الأرض لتقوم بكل شيء بدقة وطواعية كما خطط لها خالقها العظيم.
فالماء يتبخر من المحيطات والبحار ويتكاثف في الجو على شكل غيوم ثم ينزل على شكل أمطار تتسرب للأرض وتختزن ثم تتفجر الينابيع والأنهار، وتذهب لتصب في البحار وتتبخر من جديد … وهكذا وفق دورة منتظمة.
كذلك الأمر للنباتات التي تنمو وتثمر ثم تصفر وتذبل وبعد ذلك تنمو من جديد وهكذا وفق دورة شديدة التنظيم والدقة.
وهذا الأمر ينطبق على كل شيء:
الكائنات الحية لها دورة منظمة أي ولادة ثم موت ثم تتحلل إلى تراب ثم تولد كائنات جديدة وتكبر ثم تموت وتتحلل إلى تراب… وهكذا.
هذا النظام استمر لملايين السنين دون أي خلل حتى جاء الإنسان في العصر الحديث ليلوث البيئة دون أن يعرف كيف يعيد إليها النقاء، ويرمي النفايات دون أن يقدر على تدويرها وإعادتها لشكلها الأصلي ..
عندما نتأمل الطبيعة من حولنا نلاحظ أن كل شيء فيها يسير بمنتهى الدقة، وكل شيء منظم.
الكائنات الحية تعيش بسلام والنباتات تقوم بمهمتها والأرض تعمل بكفاءة عالية.
لقد صمم هذا المهندس العظيم ، الطبيعة من حولنا لتقوم بهذه المهمة بمنتهى الكفاءة والدقة.
فالنباتات تستهلك غاز الكربون وتعيد تصنيعه على شكل أوراق خضراء وثمار، وهكذا تقوم بتنقية الجو باستمرار.
وبسبب قيام الإنسان يضخ ملايين الأطنان من الملوثات في الجو والبحر…و كذلك دمر الكثير من النباتات و الاشجار … و لذلك أصبح النبات عاجزاً عن تنقية الجو.
و اخيرا اختل التوازن الذي صممه الله في بداية الخليقة.
لقد وصل الإنسان إلى قمة التكنولوجيا واستثمار الثروات الطبيعية واستخدام الطاقة النووية، ولكنه فشل في الحفاظ على البيئة، لأنه عجز عن تدوير وإعادة تصنيع الملوثات التي أنتجها.
والآن ربما ندرك معنى قوله تعالى:
وقوله أيضاً: (اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [الروم: 11]
(إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) [البروج: 13]
فهذه الآيات تذكرنا بنعمة عظيمة من نعم الخالق
إنها نعمة الخلق والإعادة.
ولم ندرك اهميتها إلا عندما اختل نظام الأرض و اصبح كل اختراع يجر مشكلة للبشرية.
مثلاً اختراع وسائل النقل جرّ مشكلة التلوث
واختراع وسائل الاتصالات مثل الجوال جرّ مشاكل صحية للإنسان بتأثير الذبذبات الكهرومغناطيسية
واختراع وسائل جديدة في الزراعة وتربية الحيوانات جرّ مخاطر على صحة الإنسان وأمراض لم نكن نسمع بها من قبل مثل جنون البقر وإنفلونزا الخنازير…
لقد لوثنا كرتنا الأرضية باختراعاتنا وتجاربنا ولكن لم نعرف كيف نعيد هذه النفايات أو نتخلص منها فكنا سبباً في ازدياد حرارة الأرض والمجاعات وقلة المياه…
لقد أفسدنا النظام البيئي المحكم ولم نتمكن من إعادته لطبيعته الأساسية.
ومع أن العلماء يحاولون جاهدين أن يعيدوا تصنيع النفايات إلا أنهم فشلوا في ذلك، لأن الكميات الضخمة من غاز الكربون والملوثات الأخرى مثل الرصاص والمواد السامة، أحدثت خللاً في جول الأرض مما أدى للاحتباس الحراري…
وما هذه الكوارث الطبيعية وارتفاع حرارة الأرض إلا إحدى نتائج هذا التلوث.
لقد خلق الله لنا مليارات النعم من حولنا وجميعها تخدمنا دون أي ضرر أو مشكلة، ولكن الإنسان وبمجرد أنه تدخل في خلق الله وحاول التغيير والتطوير فشل في كل شيء، وأصبح العلماء الآن يفكرون في العودة للطبيعة الأم والحياة الطبيعية كعلاج لمشكلات العصر…
فالله تعالى يبدأ الخلق ثم يعيده
والإنسان لا يخلق شيئاً ولا يعيد شيئاً…
فهل ندرك الآن معنى التحدي الإلهي:
(أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)
[النمل: 64]
وهذا يدعونا للتفكير والتأمل في قدرة الخالق ونعمة “البدء والإعادة” لنزداد إيماناً ويقيناً باليوم الآخر
فالله تعالى الذي خلق كل شيء وهو يعيد الخلق وفق دورات منتظمة، قادر على إعادة خلقك أيها الإنسان من جديد، فتأمل معي قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [العنكبوت: 19]