بقلم : كاظم فنجان الحمامي ..
من أغرب ما نراه ونلمسه هو تسلط عوائل صغيرة جداً على مقاليد الحكم في معظم بلدان كوكب الأرض وفي كل المراحل التاريخية، ولم يقتصر الأمر على الانظمة الملكية والأميرية، وإنما شمل أيضاً الانظمة الجمهورية، وشمل معها القوى العظمى. .
وربما سبقنا اليونانيون في تسمية ظاهرة توريث الحكم وحصرها في عوائل صغيرة، فاطلقوا عليها اصطلاح (الأوليغارشية Oligarchy) التي تعني: شكل الحكم الذي تكون فيه السلطة محصورة بيد فئة صغيرة من المجتمع تتميز بالمال أو النسب أو النفوذ. .
كانت الأوليغارشية تكتسب قوتها عبر التوريث المنوي (أو الدموي لا فرق)، منذ عهود الترقيم الامبراطوري، الذي كان فيه الحكام يتميزون بأرقام متسلسلة، مثل لويس السادس، ولويس السابع، والثامن والتاسع والعاشر . . . الخ. في متوالية عددية تتكرر في كل العصور والدهور. لكنها اكتسبت سيطرتها هذه الأيام من خلال شراء الذمم والهيمنة المالية، وتغطية نفقات الحملات الانتخابية، وتمويل السياسيين الذين يتناوبون الحكم بطرق تمليها عليهم الأوليغارشية. ومع ذلك قد تكتسب العوائل نفوذاً من خلال مكانتها الاجتماعية أو القبلية أو الدينية أو العسكرية. وغالباً ما تؤدي الأوليغارشية إلى انتقال السلطة من جيل إلى جيل. ويمكن وصف العديد من الدول الحديثة بالأوليغارشية، بما في ذلك روسيا والصين وحتى الولايات المتحدة. وفي الغالبية العظمى من الحالات التي يُمنح فيها عدد قليل من الناس قوة التسلط على مجموعة أكبر، سيختار هؤلاء القلائل في النهاية تبني سياسات غير عادلة على حساب عامة الشعب. .
وعندما تصبح الحكومات الأوليغارشية أكثر تقوقعا على نفسها، فإنها عادة ما تكون مفرطة في استبدادها، ثم تصبح قمعية ولا تؤمن بمبدأ المساواة، حيث يجري توجيه الثروة نحو الحكام بدلاً من أولئك الذين ينتمون إلى الطبقة العاملة. وتتقلص الطبقة الوسطى مع زيادة الأغنياء ثراءً، وزيادة الفقراء فقرا. ويمكن أن ينتج عن الأوليغارشية زعماء ضعفاء، لكنهم يتظاهرون بقوة وهمية فارغة. .
ولسنا هنا بصدد تسمية البلدان الخاضعة لحكم الفئات الأوليغارشية، فهي معروفة ومكشوفة، وتشمل معظم البلدان العربية، إن لم تكن كلها. .
حتى الولايات المتحدة نفسها يمكن اعتبارها خاضعة لحكم الأقلية. فعلى الرغم من ان الشعب الأمريكي يتمتع بالعديد من سمات النظام الديمقراطي، مثل الانتخابات وحرية التعبير. ومع ذلك، هنالك أدلة قوية على أن الشركات القوية والأفراد الأثرياء لديهم تأثير أكبر بكثير من المواطنين العاديين على صنع السياسات. فعلى سبيل المثال نذكر انه يُسمح قانوناً للشركات وحتى الأفراد بالتبرع بمبالغ ضخمة للحملات السياسية، مما يتيح الفرصة لمرشحيهم الذين يضعون مصالح الشركات فوق المصلحة العامة، ويمكن للشركات والأفراد أيضاً توظيف جماعات الضغط للتأثير على السياسيين الموجودين بالفعل في مناصبهم. .
وربما جاء كتاب (American Oligarchs) من تأليف (Andrea Bernstein) ليقدم لنا صورة واقعية عن العلاقة المريبة بين عائلة (آل كوشنر) و (ترامب)، وزواج المال بالسلطة، وقد تم انتاج هذا الكتاب في فيلم يروي قصة عائلتي ترامب وكوشنر، كما لم يحدث من قبل بناء على تقارير موثقة. .
اما في البلاد العربية فالافلام الاوليغارشية ظلت تُعرض علينا بألوانها الدموية على مسرح الواقع المأساوي منذ عقود وعقود، وسوف تواصل عروضها حتى يرث الله الأرض ومن عليها. وإليه ترجع الأمور. .