بقلم : كاظم فنجان الحمامي …
تُرجم هذا الكتاب (Black Box Thinking) الى معظم اللغات الحية بضمنها العربية، وهو من تأليف الكاتب (Matthew Syed) ويقع في 336 صفحة، وقد صدرت الطبعة الاولى منه عام 2015. .
نال المؤلف (ماثيو) شهرة واسعة بعد صدور كتابه الأول (Bounce)، الذي كان من أكثر الكتب مبيعاً على مستوى العالم. وفاز كتابه (عقلية الصندوق الأسود) بالعديد من الجوائز. .
يطرح المؤلف سؤالا عاما على غلاف كتابه، يقول فيه: (لماذا لا يتعلم الناس من أخطائهم ؟)، ثم يقدم لنا جواباً وافياً مفصلا لهذا السؤال تجده بين طيات هذا الكتاب الذي أصبح من المناهج الأساسية لاكتساب مهارات القيادة، وتعلم فنون الادارة في دورات التأهيل العالي لمعظم الشركات والمؤسسات الناجحة حول العالم. .
يهدف الكتاب إلى محاربة الفشل، والاستفادة من الأخطاء والهفوات، ويرى المؤلف انه لابد للانسان من تحمل نتائج فشله من وقت لأخر، سواء كان بسبب أداءه الضعيف في العمل، أو بسبب فشله في الاختبار، أو بسبب خسارته في المباريات، فالذين يعملون في الصناعات الثقيلة، قد يتسبب فهمهم الخاطئ لمبادئ السلامة بعواقب مميتة. ويحذر المؤلف من سوء الوقاية الصحية الذي كان السبب في الكثير من الكوارث الطبية، ويُعد من أكبر الأخطاء القاتلة في الولايات المتحدة، ويذكر انه يتسبب في أكثر من 400000 حالة وفاة كل عام. بينما يموت العدد الأكبر من الناس بسبب الأخطاء التي يرتكبها الأطباء في المستشفيات بالمقارنة مع حوادث المرور. ومعظم هذه الأخطاء لا يتم الإعلان عنها أبداً، بسبب التسويات المتعلقة بسوء التصرف وعدم الإفشاء. .
ثم يستعرض المؤلف أمثلة أخرى عن تجارب شركات الطيران المدني، التي جهزت طائراتها بصندوق أسود، يتم فتحه وتحليل قراءاته، وصولاً إلى التعرف على الخطأ الذي حدث بالضبط، ثم تُتخذ الإجراءات اللازمة حتى لا تتكرر الأخطاء نفسها. وقد قطفت هذه الطريقة ثمارها وتركت آثارها الايجابية على التطورات المحسنة في عالم الطيران. .
ويرى ان معظم الشركات لديها رغبات قوية لتجنب الأخطاء التي يمكن التنبؤ بها قبل وقوعها، فيقترح تبني النهج الذي سارت عليه شركات الطيران في مواجهة احتمالات الفشل، وإشاعة الثقافة التنظيمية. .
ويؤكد المؤلف ان الاعتراف بالفشل هو الخطوة الصحيحة نحو تحقيق النجاح، وان المكابرة والانكار ستؤدي حتما الى ارتكاب المزيد من الأخطاء، ونادراً ما يعترف المخطئون بالفشل، على الرغم من أنهم يتظاهرون بالنجاح الوهمي. .
لقد اعتمد المؤلف على مجموعة واسعة من المصادر في الأنثروبولوجيا وعلم النفس والتاريخ من أجل استكشاف الأنماط الدقيقة لأخطاء الناس واستجاباتهم الدفاعية عنه. واستعرض في كتابه مجموعة من الوقائع والاحداث التي مرت بها المؤسسات، واستفادت منها في التغيير والتصحيح والمعالجة. .
الكتاب مليء بالأمثلة المقتبسة من سجلات الشركات الناجحة في شتى المجالات، ويتناول العديد من التجارب الميدانية، التي تعاملت بحزم مع منغصات التعقيد والتعطيل، وكيف أن العالم الذي نعيش فيه مليء بالتعقيدات التي تجعل من الصعب (إن لم يكن من المستحيل) تفسير دوافع الذين رسموا لنا خرائط الفشل. .
أحياناً ننظر إلى المشكلة ، ونفكر فيها، ونصل إلى الحلول المنطقية، لكننا عندما نطبقها نكتشف أنها غير مجدية بسبب التعقيدات الموروثة. عندئذٍ نلجأ الى الاختبارات المتكررة بغية الوصول إلى النتيجة المرجوة. .
اما أكثر الأفكار المفيدة في هذا الكتاب فهي فكرة توخي الاحتمالات السيئة قبل المباشرة بتنفيذ المشروع، والتي تستدعي عقد اجتماعات قائمة على فرضية (فشل المشروع برمته) وأن الشركة المنفذة ستمر بعقبات صعبة. ويتعين على المجتمعين استنفار طاقاتهم في البحث عن الحلول الناجعة لتلافي الفشل وتجنب الانهيار. وبالتالي فإن مواجهة التحديات أفضل بكثير من الركون الى الضعف والاستسلام. .
ختاماً: يكشف هذا الكتاب عن كيفية إستخدام الأخطاء كأدوات تعليمية، وكيفية الاستعانة بها في تحويل الإخفاقات القصيرة المدى إلى نجاحات بعيدة المدى. .