بقلم : فالح حسون الدراجي ..
منذ منتصف الستينيات، وأنا أتابع كل ما يتاح لنا من نقل لمباريات الكرة، لذا صرت أعرف عدداً كبيراً من المعلقين العراقيين والعرب، بدءاً من شيخ المعلقين مؤيد البدري الذي لا يحتاج الى تعريف قطعاً، فهو علامة فارقة في التعليق الكروي الناصع والجميل والأنيق.. وهناك معلقون عراقيون آخرون، غاية في الروعة والأمانة والنقاء، لا يسع المجال لذكرهم جميعاً، ويسعدني أن أحظى بعلاقات طيبة مع الكثير منهم، لم يزل بعضها قائماً حتى هذه اللحظة..
وخلال اكثر من خمسة عقود تابعت عدداً غير قليل من المعلقين العرب الكبار، الذين تركوا بصمة واضحة في ميدان التعليق الممتع، وعرض المعلومة المفيدة، وكذلك في (الحياد الإيجابي) – إذا صح التعبير.
فقد سحرني مثلاً أسلوب وأداء المعلق الكابتن محمد لطيف، خاصة وأن الكابتن لطيف كان احد نجوم كرة القدم في نادي الزمالك ومنتخب مصر، وقد عاصر اللعبة منذ نشوئها في الملاعب المصرية حتى يوم رحيله عن الدنيا، فالرجل عاش القرن الماضي بالطول والعرض كما يقولون – لاسيما وأنه مولود العام 1903 – ومتوفى العام 1993، فامتلك بهذا العمر الشاسع والواسع خزيناً من المعلومات الرياضية التي لا يمتلكها غيره من معلقي جيله.
وللحق، فإن جمالية أدائه واسلوبه لم تكن الصفة الوحيدة التي يمتاز بها الكابتن لطيف، إنما حياديته أيضاً، فهو وإن كان-زملكاوياً حد النخاع- لكنه يتحول الى قاضٍ عادل حين يقوم بالتعليق على مباراة يكون طرفاها ناديي الزمالك والأهلي، أو ناديي الزمالك والترسانة، أو الزمالك والإسماعيلي، أو أي نادٍ مصري آخر.. فلا تشعر بأي تحيز أو تعاطف مع ناديه مطلقاً.
ولصدقه ودقته ومهنيته، كان الكابتن لطيف ينقل لنا المباريات عبر الأثير، فنسمعه من خلال الراديو وكأننا معه في الملعب، وليس نتابع المباراة عبر المذياع، ناهيك من مرحه ودعاياته وتعليقاته المميزة التي يكون وجودها ضرورياً كضرورة الملح والفلفل والبهارات في قدر الطعام!
وغير الكابتن لطيف، هناك المعلق الكويتي المميز والممتع خالد الحربان، الذي كان علامة فارقة من علامات التعليق في عقدي السبعينيات والثمانينيات في القرن الماضي.. وثمة معلقون عرب آخرون كانوا مميزين بأدائهم، ومصداقيتهم وحياديتهم.
لكن في المقابل، هناك معلقون عرب يجبرونك على أن تغادر المباراة واللاعبين، وتكفر بالتعليق والمعلقين دون استثناء !
وهناك آلاف من المشاهدين العرب – وأنا واحد منهم، يميلون -اليوم – الى مشاهدة المباريات باللغة الإنجليزية، أو الاسبانية حتى لو لم يفهموها، لأنهم يرون أن التعليق الإنجليزي سهل وممتع وصافٍ، ولا يوجع الرأس، فالمعلق الانجليزي لايستعرض ذاكرته وخبرته وجنجلوتياته بكرة القدم على حساب المباراة والتعليق على الأحداث كما يفعل بعض المعلقين العرب، الذين يصدعون رؤوسنا!
ومن بين هؤلاء، أضع أمامكم اليوم المعلق التونسي عصام الشوالي، الذي يجيد كل شيء إلا التعليق الكروي.
فما بينه وبين مهنة التعليق الرياضي مسافة هي أبعد مما يتخيلها أو يحلم بها !
واسمحوا لي أن أقول، إن الشوالي، منافق بامتياز، وهزيل جداً، وبالتعبير العراقي – لوگي – فضلاً عن أنك لا تشعر معه بمتعة كرة القدم حتى لو كان يلعب أمامك بيليه ومارادونا وميسي وغيرهم من افذاذ كرة القدم في العالم.. فهو يفسد عليك متعة المباراة بزعيقه غير المبرر، ولغوه الفائض الذي لا يتوقف عند حد، والمصيبة أن الشوالي ليس ثرثاراً فحسب، إنما هو أحمق أيضا، لاسيما في تدخلاته وتعليقاته غير الرياضية، فمثلاً أطلق تعليقاً في مباراة مصر والجزائر التي جرت ضمن تصفيات كأس العالم 2022 ، يخاطب فيه الجزائريين قائلاً:
” لقد علمتكم مصر اللغة العربية، وعلمتكم الدين، واليوم ستعلمكم لعب الكرة”!
فقامت الدنيا في الجزائر ولم تقعد حتى اللحظة !
وقبل أيام ،علق الشوالي أيضاً على مباراة مانجستر سيتي واليونايتد تعليقاً (سخيفاً) حين وقف الفريقان حداداً على ارواح الضحايا الاوكرانيين الابرياء في الحرب الروسية الاوكرانية، فنال على تعليقه ( البايخ) ذاك ردوداً وتعليقات شنيعة!
ومن الجدير بالذكر، أن الشوالي كان مغرماً ولهاناً بالمنتخب السعودي، ومفتوناً بالكرة السعودية، عندما كان يعمل في قناة ( أي آر تي) السعودية، ثم استدار غرامه 180 درجة نحو الكرة القطرية حين عمل في رياضة قناة الجزيرة القطرية، ثم أكمل عزفه على الطبل القطري في قناة (بي أن سبورت)، وما زال الرجل يواصل بنجاح ساحق هزالته وقلة ذوقه وخروجه عن قيم وتقاليد هذا الفن الذي يحمل اسم التعليق الرياضي..
حتى أن الصحفي المصري مدحت الشلبي كتب يوماً في جريدة الرياضة تعليقاً حول واحدة من وقاحات وانحيازات الشوالي قائلاً: “لم يسبق لي أن تقابلت مع الشوالي ولا غيره من المعلقين العرب وليس لدي مواقف شخصية مع أحدهم، ولكنني في طبعي أكره (القليطة) أي قلة الذوق واستخدام الألفاظ الخارجة عن حدود اللباقة أثناء التعليق على مباريات كرة القدم من أي معلق مهما كبر أو صغر اسمه، فالشوالي قد أطاح أمس بكل ما بقي من تاريخ التعليق الرياضي وما تبقى من شرف ومهنية التعليق”.
قد يسألني القارئ عن السبب الذي دفعني الى أن أخصص افتتاحية جريدة سياسية للحديث عن معلق رياضي، لاسيما في هذا الظرف السياسي الوطني الصعب ؟
والجواب:
لقد استفزني جداً تعليقه على مباراة أمس الأول التي جرت بين فريقي ريال مدريد واشبيلية، والتي انتهت بفوز الملكي بثلاثة اهداف مقابل هدفين، وبقدر ما كانت المباراة رائعة من جميع النواحي، بقدر وحجم ما أفسدها علينا هذا الشوالي.. لقد كان منافقاً في تعليقه، وصلفاً، ومنحازاً، لدرجة يصعب تصديقها، بحيث انتقدته وتبرأت من ولائه ونفاقه جماهير الكرة المدريدية قبل غيرها!
تصوروا، أن الشوالي كان أمس الأول يصرخ باعلى صوته طالباً من الحكم أن يحتسب الهدف لريال مدريد دون الحاجة للمضي الى (الفار) والتأكد من صحة الهدف!
نعم، صدقوا ذلك، فقد راح الشوالي يصرخ في الحكم بعد ان سجل لاعب الريال فينسيوس هدفاً مشكوكاً فيه: ( وين رايح يا حكم.. لا تروح للفار، هذا گول صحيح، أنا أقلك صحيح) ..!
ولكنّ الفار فضح الشوالي حين أظهر أن الكرة مست يد اللاعب المدريدي قبل ان يسددها لمرمى اشبيلية !
ويقيناً، أن الشوالي أضر كثيرا بالفريق المدريدي حين أظهر انحيازه المفضوح له، الذي تعاطفت بسببه الملايين مع فريق اشبيلية، فالناس تنحاز باللاوعي للمظلوم، وتصطف دائماً معه..
خاصة وأن فريق ريال مدريد لم يكن بحاجة لنفاق وانحياز هذا المعلق ولا الى لغوه وزعيقه، فهو فريق متمكن وفي افضل مستوياته الان رغم أنه فاز على اشبيلية بشق الأنفس.
ختاماً أقول: قد نتفهم تحيز المعلق لمنتخب بلاده حين يلاعب منتخب دولة اخرى، فهذا الانحياز يحصل لا شعورياً، ولكننا لا نفهم تحيز المعلق لنادٍ أجنبي، لا ناقة له فيه ولا جمل، سوى ناقة التزلف وجمل التقرب لجمهوره الكبير..
لقد ألحق الشوالي العار بمهنة التعليق الرياضي، ولن تزيل هذا العار كل مساحيق ومزيلات وأصباغ الخداع البرّاقة!