بقلم : أياد السماوي ..
لماذا منصب رئيس مجلس الوزراء في العراق خطير جدا ؟ وما هي سلطات أو صلاحيات رئيس مجلس الوزراء لتجعل من هذا المنصب خطيرا لهذه الدرجة ؟ وهل استطاع مجلس النواب العراقي أن يكون رقيبا فاعلا وحقيقيا على سلطات رئيس مجلس الوزراء الواسعة ؟ أين تكمن خطورة هذا المنصب ؟ وهل استطاع مجلس النواب السابق والحالي إيقاف تجاوزات حكومة مصطفى الكاظمي على القانون والدستور ؟ وهل لا زالت الكتل السياسية تؤمن بنظرية رئيس الوزراء الضعيف مع هذه الصلاحيات الواسعة التي منحها الدستور العراقي لرئيس مجلس الوزراء ؟ وهل سيبقى العمل بنظرية رئيس الوزراء الضعيف أم أنّ تجربة مصطفى الكاظمي قد فتحت عيون ( هبل السياسية ) على خطورة هذا المنصب ؟ .. حقائق ينبغي الوقوف عندها مليّا حتّى لا تتكرر هذه التجربة المريرة مرّة أخرى ..
خطورة منصب رئيس مجلس الوزراء تكمن في الصلاحيات الواسعة التي منحها الدستور العراقي لرئيس مجلس الوزراء في المادة (78) , والمادة(80) من الدستور التي أعطت مجلس الوزراء صلاحيات إدارة كلّ مفاصل الدولة .. فكون رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسات العامة للدولة وهو القائد العام للقوات المسلّحة , فهذا يعني أن مفاتح الأمن والقوات المسلّحة والسياسة الاقتصادية والمالية والسياسة الخارجية للدولة كلّها بيد رئيس مجلس الوزراء , وهذه الصلاحيات الواسعة التي منحها الدستور لرئيس مجلس الوزراء إذا لم تكن مقيّدّة برقابة قويّة من قبل مجلس النواب على أداء الحكومة , حينها ستتحوّل هذا الحكومة أمّا إلى سلطة دكتاتورية غاشمة أو لعصابة للنهب والسلب للمال العام والتجاوز على القانون ..
وما يميّز حكومة مصطفى الكاظمي أنها حظيت بالحسنيين , فهي من جهة عصابة للنهب والسلب للمال العام والتجاوز على القانون , ومن جهة أخرى سلطة غاشمة مارست أبشع أنواع التعذيب والقتل بحق الأبرياء والتجاوز على الحقوق المدنية التي منحها الدستور للمواطن العراقي , من خلاله تشكيل لجنة الأمر الديواني رقم (29) .. وقد يسأل البعض كيف استطاع شخص مثل الكاظمي الذي لم يكمل حتى دراسته الثانوية وهو بهذه المواصفات والمؤهلات المتدّنيّة أن يصنع حكومة غاشمة وفاسدة ومن دون أن يلتفت أو يكترث لوجود مؤسسات دستورية ورقابية ؟ والجواب على هذا السؤال هو الفساد ثمّ الفساد ثمّ الفساد .. فالكاظمي الذي شغل منصب رئيس جهاز المخابرات الوطني قبل أن يصبح رئيسا للوزراء , قد سخّرّ كلّ إمكانات هذا الجهاز للتجسس على السياسيين وجمع المعلومات عن فسادهم المالي والأخلاقي واحتفظ بملّف متكامل عن فساد كل واحد منهم , وحين أصبح رئيسا للوزراء أصبحت هذه الملّفات التي بحوزته سيفا مسلّطا على رقابهم جميعا , فالرجل يعرف حقيقة كلّ واحد من هؤلاء الساسة خصوصا فيما يتعلّق بالسلوك اللا أخلاقي لهؤلاء الساسة , وحتّى يتمّكن من بسط سلطاته , كان لا بدّ من تحييد كلّ كتلة سياسية من الممكن أن تسبب له أوجاعا وتزعزع استقرار حكومته , وذلك من خلال منح هذه الكتل المناصب الحسّاسة في الدولة والأموال وغض الطرف عن فساد أعضائها , وهذا ما حصل مع جميع الكتل السياسية دون استثناء , ولهذا السبب صمت مجلس النواب عن جرائم لجنة أبو رغيف التي سوّدت وجه النظام السياسي القائم , وصمت عن تواطئ حكومة الكاظمي في سرقة نفط الشعب العراقي من قبل حكومة الإقليم , وصمت عن جريمة إرسال الأموال إلى حكومة الإقليم خلافا لقانون الموازنة , وصمت عن فساد عقود حكومة الكاظمي التي جرى أغلبها خارج الضوابط والقانون , وصمت عن فساد وزراء الكاظمي وكتلهم السياسية , خصوصا خلال الفترة التي أصبحت فيها الحكومة مستقيلة وغير مخوّلة دستوريا سوى القيام بتصريف الأعمال اليومية , فما جرى خلال هذه الفترة من تجاوز على القانون والصلاحيات الممنوحة لحكومة تصريف الأمور اليومية يفوق الخيال والتصوّر , كلّ هذا جرى تحت الشمس وبشكل علني دون أن يحرّك مجلس النواب ساكنا .. فلا يكاد اجتماعا واحدا لمجلس الوزراء يخلو من عقد للحكومة خارج الضوابط وتشوبه الشبهات , وكمثال على ذلك ما جرى في اجتماع مجلس الوزراء ليوم أمس 26/3/2022 , وما ورد في مقرراته بخصوص قيام وزارة الداخلية/ مديرية المرور العامة بإبرام عقد استثماري لإنشاء معمل لتصنيع اللوحات مع صندوق شهداء الشرطة ، استثناء من قرار مجلس الوزراء (245) لسنة 2019 .. فانتهاكات الكاظمي للقانون قد أسقطت نظرية ( رئيس الوزراء الضعيف ) , فليس هنالك رئيس ضعيف للوزراء مع هذه الصلاحيات الدستورية الواسعة , فبدون رقابة برلمانية جادّة وفاعلة وحقيقية , تصبح الحكومة في ظل هذه الصلاحيات أقرب للعصابة المنظّمة منها إلى الحكومة .. أتمنى أن تكون الكتل السياسية في البلد قد استوعبت درس مصطفى الكاظمي المرير ..
أياد السماوي
في 27 / 04 / 2022