بقلم: كاظم فنجان الحمامي ..
كانت ولادته في القرنة من أبوين عراقيين (دجلة والفرات). نشأ وترعرع في البصرة، وتدفق بين منعطفات بساتينها، فكان علامة فارقة في تاريخها، ورمزاً لسيادة العراق حتى أبعد ذرة تراب داخل الأراضي الإيرانية تبللها قطرة من قطرات مياهه العذبة عند إرتفاع المد العالي فوق ضفافه الشرقية. .
ثم وقع ما لم يخطر على البال عندما تنازلت الحكومة العراقية عن نصف شط العرب لصالح إيران باتفاقية الجزائر عام 1975، فاكتسب الشط اسماً غريباً (أرڤند رود)، ولو اطلعت على بنود حدودنا النهرية في هذه الاتفاقية لوليت فراراً ولملئت رعباً. .
لا نعلم بالظروف التي صاحبت كتابة بروتوكول الحدود النهرية، ولا ندري كيف تنازل العراق صاغراً وقتذاك، وكيف أقتنع بحدود عائمة هائمة تحركها تيارات المد والجزر، ويتحكم بها خط التالوك، ثم خاض العراق حروبه المتوالية ليجازف بمسطحاته المائية في النهر والبحر، ويضعها على كفوف العفاريت. فتزحزحت الدعامات الملاحية في منطقة السد الخارجي (مدخل الشط من جهة البحر)، وزحفت الزواحف، ووقعت الفنارات والعوامات الملاحية منذ عام 1988 تحت تصرف إيران، فبسطت نفوذها من النواحي الملاحية والجغرافية على الجزء المحصور بين رأس البيشة والعوامة (خفقة)، ثم تمددت إيران وتوسعت، وتصرفت بأحادية تامة، من دون أن تتلقى أي اعتراض، (لا قبل 2003، ولا بعد 2003), في تصرف عراقي عجيب ينطوي على القبول بالخسارة، فتشتت كرة المسؤوليات التقصيرية بين أروقة وزارة الخارجية، ومديرية المساحة العامة، وبين مراكز آمرية خفر السواحل الممتدة من (مضيق الشيطان) في جزيرة أم الرصاص وحتى رأس البيشة، من دون ان يكون لها إي نفوذ على منطقة السد الخارجي، التي ظلت حتى الآن خاضعة للجانب الإيراني بالكامل. .
والسؤال الأهم الذي ينبغي أن نطرحه على طاولة التساؤلات الحائرة: هل يدرك قادة العراق مخاطر وتداعيات هذا الإهمال والتغافل ؟. وهل يعلم البرلمانيون بدور الخبراء المهمشين، نذكر منهم الدكتور محمد الحاج حمود، والدكتور جمال إبراهيم الحلبوسي، والكابتن صلاح عبود خضير، والكابتن سمير عبد علي مرزوق، والدكتورة رحاب خالد الجبوري، والكابتن مازن الخيون، واللواء البحري الركن حميد رسن، والدكتور حسام المشهداني، والكابتن كريم السوداني، والمهندس وسام عبد الكاظم، والعميد انمار حسين بنيان، الذين افنوا أعمارهم في إعداد الخرائط والمرتسمات وكتابة البحوث والدراسات ؟. وهل تعلم الدولة العراقية بكفاءة هؤلاء الأعلام الذين يمتلكون المؤهلات الفنية الفريدة، والقدرات الوطنية الأكيدة على اتخاذ الخطوات العملية الصحيحة بعيداً عن المزايدات والمهاترات التي لا تسمن ولا تغني من جوع. وهل يعلم الرأي العام العراقي أن الموضوع الذي نتكلم عنه أكبر من أن نلخصه في مقالة قصيرة ننشرها هنا أو هناك ؟. فالتحرك المستقبلي يحتاج الى العصف بالطاقات الوطنية الواعدة، ويحتاج الى تكثيف العمل الفني والقانوني، واختيار الفريق المناسب الذي يمتلك المقومات العلمية والقانونية والملاحية، بعيداً عن المزاجية والانتقائية، وبعيدا عن الوقوع في قبضة المحاصصة واختياراتها الفاشلة. .
وارجو أن لا نضطر لتكرار قصيدة دريد بن الصمة، التي قال فيها:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى
فلم يستبينوا النصح الا ضحى الغدِ