بقلم : كاظم فنجان الحمامي …
ذكر المدائني وصفاً رائعاً للبصرة ورد على لسان خالد بن صفوان قال فيه :-
(نحن أكثر الناس عاجاً وساجاً وخزاً وديباجاً، بيوتنـا الذهب، ونهرنا العجب، أولـه الرطب، وأوسطه العنب، وآخـرهُ القصب، فـأمـا الرطب فمن النخل في مباركه كالزيتون عندكم في منابته، هـذا على أفنـانه كذاك عـلى أغصانه، هذا في زمـانه كذاك في ابانه. الماء يقبل عنقا ً فيفيضُ مندفقـا ً فيغسل ُ غـثـّهـا ويبدي مبثـّهـا، يأتينا في أوان عطشنا، ويذهب ُ في زمـان ريـّنّا، فنأخذ منه حاجتنا, ونحن نيام على فرشنا، فيقبل الماء وله ازدياد وعباب، ولا يحجبنا عنـه حجاب، ولاتـُغـلق دونه الأبواب، ولا يتنافس فيـه من قلة، ولا يحبس عنا من علة. .
فقال له مسلمة : أنى لكم هـذا يابن صفـوان ولم تغـلبوا عليهـا ولم تسبقوا إليهـا ؟. فقال : ورثناها عن الآباء ونعمرها للأبناء ويدفع لنـا عنهـا ربّ السماء. .
لكن بساتين النخيل صارت الآن فريسة للتصحر والتملح والتعرية، وانتشار الكثبان الرملية. . يخنقها الغبار، ويميتها الإهمال، ويحاصرها الجفاف، وتفترسها الآفات الفتاكة. ويغتالها المستثمرون، الزاحفون عليها طمعا بتغيير جنسها العقاري، وتحويلها إلى مقاطعات سكنية. .
بينما تأتينا الأنباء من موريتانيا عن نجاحها في غرس 14400 نخلة في واحات نموذجية وسط الصحراء، وغرست 7200 نخلة في واحة (يغرف) النموذجية، وغرست 2880 نخلة في واحة (تيدرز)، وغرست 4320 نخلة في واحة (تللبه)، وغرست 42 ألف نخلة في واحة (شنقيط) النموذجية. وتوجد في ولاية (آدرار) 75 واحة، تبلغ مساحتها 5673 هكتارا، ويبلغ عدد النخيل في الولاية مليونا ومائة واثنين وتسعين ألفا ومائتين وثمان عشرة نخلة، وهو ما يمثل 45 ℅ من عدد النخيل في موريتانيا. .
انها والله مفارقة مذهلة حول توسع موريتانيا في زراعة النخيل، وتفوقها على البصرة التي كانت بساتينها جنة العراق، فأحرقتها الحروب واغتالها الجفاف والإهمال والانتهاكات البيئية المتكررة. .
أرايتم كيف تفوقت علينا موريتانيا التي تحاصرها الصحراء الكبرى من الشرق، ويحاصرها المحيط الاطلسي من الغرب. لكنها لم تيأس ولم تستسلم. بينما تتحرك البلدوزرات المكلفة باقتلاع أشجار النخيل. .
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين. .