بقلم: د. نزار محمد علي الخضيري ..
مع وصول العملية السياسية في العراق الى مفترق طرق جديد، بعد إعلان السيد مقتدى الصدر منح الأطراف البرلمانية مهلة ثلاثين يوماً لتشكيل حكومة ترفع معاناة العراقيين، والا فله قرار آخر سيعلنه “في حينها”. ومع وصول أعضاء البرلمان لهذا المفترق والمطوق بمشاكل متعددة ومركّبة ذات تأثير سلبي كبير على المواطن العراقي ومفردات معيشته اليومية، بالاضافة الى تأثير استراتيجي أكبر على وجود العراق كدولة قائمة جراء أزمات (الغذاء، الطاقة، البطالة، الصحة، الخدمات، المخدرات) وغيرها الكثير. حيث نجد في كل زاوية من زوايا الدولة ومهامها العامة أزمة كبرى تلاحقها أزمات أصغر ومخاطر تتنامى بتسارع أكبر مع كل لحظة تمرر دون حسم ممثلي الشعب بسلطته التشريعية من لموقفهم وتشكيل حكومة انقاذ، لكن للمواطن من مآسي حياته اليومية.ان التنازل السياسي النادر للسيد الصدر في تاريخ العراق، وهو راعي الكتلة النيابية الأكبر، انتقلت مسؤولية حماية الوطن في ظل أحلك الظروف (محلياً، اقليمياً، ودولياً) لتكون على عاتق نواب الشعب. ويدرك الجميع ان تعقيدات الوضع الحالي أبتداء من توفير لقمة العيش الكريم لأبسط مواطن مروراً بالأزمة الأزلية للطاقة الكهربائية، وتحديات الأمن المجتمعي جراء التفشي الهائل للمواد المخدرة، واشكاليات الملف النفطي بين السلطة الاتحادية والاقليم وما سببه من تحطيم لمقدرات المواطن في كردستان، وآثار جائحة كورونا وما سبقها من تضحيات الحراك الشعبي لشبابنا المتطلع لحياة كريمة ووطن يباهي به جواره والعالم، ومبيت أكثر من عشرة ملايين عراقي رجالاً ونساءاً شيوخاً وأطفالاً تعتصر بطونهم الخاوية الآم الجوع جراء الفساد الهائل والإدارة السيئة لمفاصل الدولة والتخطيط الأسوء ان لم يكن معدوماً في الأساس.مع الاستعراض السريع لما سبق، والذي انطوت بين سطوره معاناة الملايين العراقيين من الفقراء والايتام والأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى والمسنين ممن لم تمنحه الدولة التي خدمها لعقود طويلة وأفنى شبابه دفاعاً عن تربتها. يعاني العراق الكثير من المهددات الأمنية والسياسية الاقليمية والأزمات البيئية والمائية، وليس الجفاف وعواصف الأتربة عنا ببعيد. لذا وجب على من حمل صفة ممثل الشعب الاسراع بأختيار الأكفأ في العمل والأقدر على إدارة هذه الأزمات خلال المرحلة الحالية، فلم يتبقى من الوقت ما يسمح باستمرار المماحكات السياسية، ولم يعد في القوس منزع.منحت هذه الفرصة التاريخية القدرة والاستقلالية لكل نائب يمتلك الشجاعة بالمساهمة في انتاج قرار وطني يسجل في سفر العراق، ومحطة لإنطلاق حراك يسعى لتصحيح الأوضاع وأساساً لبناء عملية ديمقراطية يؤمن بها المواطن قبل السياسي، ورصيداً مستقبلياً يحاجج به مناوئيه، عبر اعتماد برنامج اصلاحي شامل يبدأ بممارسات وإجراءات مؤسسات الدولة، ويكون الهدف خدمة المواطن وحمايته ومنحه حقوقه المسلوبة منذ عقود، دون مطالبته بواجباته ودماءه التي استمر بتقديمها على مذبح الوطن لعقود عدة لم يلمس خلالها واجبات دولته تجاهه أو أفراد اسرته.بناء على ما تقدم، نقترح على ممثلي الشعب وحاملي أمانته، اتخاذ قرار لن يستغرق تبنيه لحظات عدة، ولايحمل متبنيه مشاق وتبعات السلطة التنفيذية القادمة، عبر أختيار من يكون أهل لإشغال منصب رئيس الوزراء، والعمل معه ومراقبة أداء حكومته لانقاذ العراق وشعبه من ويلات الدهر ومخاطره، فقراركم اليوم هو ما سيرسم مستقبل العراق وشعبه المهدد بالعديد من الكوارث.في مجال القيادة توجد نظرية تحمل تسمية القيادة الموقفية، والتي تعرّف بأنها منهجية لربط السلوك القيادي بالمواقف والظروف المحيطة، أي لكل مرحلة ما يناسبها من أفراد، ومع المتغيرات العديدة والتحديات المختلفة التي تتكالب على الواقع الذي يفرض اختيار من يلائم المرحلة من حيث القدرات والامكانيات التي قد تتغير خلال أعوام لاحقة، وكما تغيرت خلال الاعوام السابقة. فمن كان بالأمس هو الأصلح ليس بالضرورة أن يبقى كذلك اليوم، ومن يكون هو الأصلح قد لايكون كذلك للغد.بناء على المعطيات الحالية والتي سبق الاشارة اليها في مقدمة مقالتنا، نقترح على ممثلي الشعب ترشيح السيد عامر عبد الجبار رئيساً للوزراء، وبناء نموذج وطني للتعاون التكامل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ضمن اطار الدستور وأحكام السلطة القضائية، وبمظلة مرجعيات دينية حكيمة، لإنقاذ العراق من مصير مجهول تزايدت مؤشرات حدوثه ان لم يصنع نواب الشعب قرارهم وفقاً لمدخلات صحيحة أولوياتها الوطن والمواطن، ويتخذونه بشجاعة تحط عنهم تهم الفشل أو تقديم المصالح الخاصة على العامة أمام شعبهم المظلوم.لا حاجة لنا لتعريف شخصية عامر عبد الجبار أو مهنيته، فما أثبته خلال عقود من العمل، عبر التزامه ومهنيته وقدرته على ايجاد الحلول للعديد من المعاضل والأزمات التي نالت من العراق (مع الأسف الشديد) دون ان نجد له ميلاً الى طرف دون آخر، وهو ما منحه صفة الحيادية، كما عرف بإستقلاليته السياسية. وإيمانه بحكومة البرامج، حيث وصل العراق الى أحوج ما يكون الى العمل التنفيذي القابل للتطبيق وفق الموارد المتاحة وفي ظل التحديات المحيطة والتهديدات المحتملة.لقد قدم عبد الجبار الكثير من الحلول للأزمات المهددة للوطن والشعب بمهنية لمسها كل منصف وفي مجالات عمل الدولة، منها مقترح الأمن الغذائي، معالجة الهدر الاقتصادي غير المنظور والتي تتجاوز تقديراته 20 مليار دولار، استباق أزمة السيولة النقدية بعامين، والتي أدت لاحقاً لتخفيض سعر صرف الدينار العراقي لتوفير رواتب الموظفين وتقليل العجز الحكومي وانتجت تداعيات اقتصادية وانسانية كبيرة ما زالت مشاكلها تحاصر الدولة ومعيشة مواطنيها. كما سبق له تقديم مشروع لإدارة أزمة جائحة كورونا وفق نموذج ريادي لو تم تطبيقه في حينه لمنح العراق فرصة تأخير الاغلاق الكامل لمدة عام دون ان يتأثر مواطنوه بقطع مصادر أرزاقهم، ولم يفقد الوطن الالآف من الضحايا وفي مقدمتهم شهداء الخدمة الصحية من أطباء ومنتسبين يصعب على أي دولة تعويض كفاءاتهم النادرة وخبراتهم الطبية المتراكمة. ووضع استراتيجية لتحقيق طريق حرير عراقي يوفر لمواطنيه فرص هائلة تعوض انعدام القدرة الحكومية على التعيين وتجعل من القطاع الخاص بمجالاته المختلفة ميدان عمل ريادي يبعد شبابنا عن التظاهر أمام حقول النفط ومؤسسات الدولة للمطالبة بالتعيين ولو بعقود أجورها أبخس من يومية عامل في أفقر دول العالم. بالاضافة الى الكثير من المعالجات لامجال لذكرها الآن ولا تسعفنا الذاكرة لإدراجها.في العمل السياسي يتم اتخاذ القرار وفقاً لنظرية اللعبة، وهي مسألة رياضية ذات نتائج محددة، أما بفوز طرف وخسارة طرف آخر(رابح ، خاسر)، أو فوز الطرفين (رابح، رابح)، أو خسارتهما معاً (خاسر، خاسر). وفي المعادلة السياسية القائمة حالياً ومع فرصة الثلاثون يوماً، يمكن للعقلاء والحكماء من ممثلي الشعب (التيار، الاطار، والمستقلين)عبر أختيار الأكفأ في هذه المرحلة التاريخية الحرجة، وبناء نموذج جديد للمعادلة السياسية يكون نتاجه (رابح، رابح، رابح) والفائز الحقيقي هو الشعب العراقي.الدكتور المهندسنزار محمد علي الخضيري مدير شركة NMS Group Aswww.nmsgroupe.comالنرويج/بيرگنايميلnazar@nmsgroupe.com