بقلم: كاظم فنجان الحمامي ..
حتى عنوان هذه المقالة يصعب حصره في إطار محدد من حيث الأبعاد والاتجاهات والتوقيتات، لأننا لا نعرف، ويصعب علينا ان نعرف الملخص التاريخي للزمن، ولا نعرف العمق الحقيقي للكون، فالكواكب والنجوم والاقمار والمجرات في حركة كونية دؤوبة ومنتظمة، لكنها فوق إدراك عقولنا الصغيرة. .
لا أريد أن أضع بين أيديكم صورة ضبابية أو وهمية، فالبيانات التي تنقلها لنا المحطات والتلسكوبات الفضائية من وقت لآخر، لا يمكن فهمها أو استيعابها دفعة واحدة. .
النجوم التي نراها في السماء هي التي ألهبت حماس الكثيرين للتساؤل عن ماهيتها، وكانت النجوم القريبة المرئية بالنسبة لنا تظهر وكأنها مبعثرة فوق لوحة ليلية متلألئة تذهل العقول، لكنها في الأصل تنتمي لعائلة واحدة نسميها درب التبانة. .
في عام 1750 اقترح بعض العلماء تفسيراً لمظهر درب التبانة، الذي قالوا انه يشبه اللولب، وذلك لأن معظم النجوم المرئية تقع في ترتيب وشكل واحد يشبه القرص. .
أما تصوراتنا المتجددة عن الكون فيرجع تاريخها إلى عام 1924 حينما اكتشف العالم (إدوين هابل) أن مجرتنا ليست الوحيدة في الكون، وإنما هناك الكثير من المجرات، تفصل بينها فراغات فضائية، وكانت تلك الفراغات تشكل تحدياً أمام (هابل) نفسه، لأنها كانت تبدو ملتصقة في كبد السماء، ما أضطره إلى الاستعانة بأساليب غير تقليدية لقياس المسافة التي تفصلنا عن تلك المجرات البعيدة، آخذين بعين الاعتبار إن اللمعان الظاهري لأي نجم يعتمد على عاملين:-
- الأول هو مقدار الضوء الذي يشع منه، أي (الكمية الإجمالية للطاقة المنبعثة من نجم أو مجرة لكل وحدة زمنية). .
- والعامل الثاني هو بعد هذا النجم عنا. .
وهذا يعني ان معرفة ضياء النجوم في المجرات البعيدة هي التي تمنحنا القدرة على حساب المسافة التي تبعدها عنا. .
ثم أستطاع (هابل) في السنوات التي تلت إثباته لوجود مجرات أخرى، ان يرصد أطياف تلك المجرات، فاكتشف انها تتحرك مبتعدة عنا، أي أن الكون كله في حالة تمدد مستمر، وكان هذا الاكتشاف من أهم القفزات العلمية في القرن العشرين، لأنه نسف الانطباع القديم حول ثبات الكون، ثم جاء الفزيائي الشهير (اليكسندر فريدمان) ليؤكد نظرية التمدد، وافترض أن الكون يبدو متماثلا في أي اتجاه ننظر منه إليه. .
وتواصلت بعد ذلك الأبحاث والدراسات، وكانت كلها تدعم فكرة التمدد الدائم للكون، وتثبت أيضا أن المسافة بين تلك المجرات كانت في يوم ما تساوي صفراً، وعندها كانت كثافة الكون وانحناء الزمكان لا متناهيان. .
لا شك ان صورة الكون المتمدد تلزمنا بإعادة النظر بمنطوق الآية القرآنية التي سبقت العلماء في إثبات هذه الحقيقة الكونية المذهلة. قال تعالى: {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}. (الذاريات، آية : 47). .
فقبل سنوات قليلة لم يكن الناس يدركون شيئاً عما يجري في الآماد البعيدة من السماء، وكانت أدوات الرصد عندهم محدودة المدى، تدرك وجود الكواكب، وتدرك وجود المجرات في السماء، وتقدر أنها تبلغ الملايين، ولكنها لا تدرك أن هناك اتساعاً دائماً في الفضاء، وأن المسافات تتباعد بين بعض الأجرام السماوية، ولم يدركوا ذلك حتى اخترعوا تلسكوبات عملاقة تخترق الأغوار البعيدة في الفضاء، ومركبات فضاء تسجل حركة الأفلاك على أبعاد هائلة من الأرض، وكلما اتسعت معارف الإنسان ومخترعاته، وجد جديداً في كتاب الله لم يكن يفطن إليه، أو لم يكن يدرك أسراره. .
وفوق كل ذي علم عليم. .