بقلم: كاظم فنجان الحمامي ..
قالت العرب: (إذا عُرف السبب بطَل العجب)، فإذا عرفنا وأطلعنا على حقيقة الأمر ستتضح لنا الصورة، وتنجلي الغبرة، فلا غرابة بعد ذلك في ضوء الأخطاء التاريخية التي ارتكبتها الحكومة العراقية، وكنتيجة حتمية لثلاث حروب كارثية كنا نحن وقودها. .
حول هذا الموضوع يحضرني الآن مشهد مأساوي يعود لعام 1975، وعلى وجه التحديد في اليوم السادس من شهر آذار، اليوم الذي اجتمع فيه نائب الرئيس العراقي وشاه إيران محمد رضا بهلوي، في ضيافة رئيس الجزائر آنذاك هواري بومدين. وهو اليوم الذي تنازل فيه العراق لصالح إيران عن سيادته الكاملة في شط العرب، إبتداءً من نهر (خيين) على مشارف المحمرة، في الجهة المقابلة لجزيرة (أم الرصاص)، وحتى مدخل السد الخارجي في منطقة المصب عند مقتربات قناة الروكا على مسافة لا تبعد كثيرا عن ميناء خور العمية. وبهذه الاتفاقية ربحت إيران مساحات شاسعة من شط العرب، الذي صار اسمه في خرائطهم (أرفند وود)، فتشوهت خرائطنا، وضاعت حقوقنا، وتنازلنا عن نصف ممراتنا الملاحية لصالح إيران، ثم اندلعت حرب الخليج الاولى فتوقفت الملاحة في شط العرب من عام 1980 ولغاية عام 1988 والسنوات التي تبعتها، فتراكمت الأطيان في ممراتنا الملاحية، وتردت الأعماق في واجهاتنا المينائية، وفقد شط العرب مؤهلاته الملاحية، وأصبح ميناء المعقل خارج الخدمة، وتعطلت حركة السفن التجارية في هذا المجرى الحيوي حتى يومنا هذا باستثناء تحركات محدودة لعدد قليل من سفن الصيد والسفن الساحلية . .
وفي الثاني من شهر آب من عام 1990 استولت القوات العراقية على كامل الأراضي الكويتية، فهبت علينا زوابع عاصفة الصحراء في السابع عشر من كانون الثاني 1991، حيث شن علينا التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة هجوما جويا عنيفا من كل الجهات، شاهده العالم مباشرة على شاشات التلفاز كأنه لعبة فيديو مرعبة، حملت الكثير من أهوال الحروب وفواجعها المؤلمة. ثم ضاعت بعدها ممراتنا ومسطحاتها الملاحية في خور عبد الله بقرار جائر تبناه مجلس الامن الدولي بالرقم 833 عام 1993، في حين دفنت الحكومة العراقية رأسها برماد الاستسلام، ولم تنبس ببنت شفة، فوقعت على رؤوسنا مقصلة البند السابع. .
وبالتالي فان ما حدث بين عامي 1975 و 1993 رسم صورة قاتمة لسواحلنا المنكمشة إلى الداخل، فالعراق الذي كانت سواحله تمتد حتى مضيق هرمز عام 1916 تراجع وانكمش وتقهقر، ولم تعد لدينا اي اطلالة معتبرة على الخليج سوى ساحل متقزم محشور في منطقة ضحلة بالزاوية الشمالية الغربية من حوض الخليج العربي. .
ختاما ينبغي عدم تجاهل هذه الحقائق التي عصفت بمستقبلنا الملاحي في خور عبد الله وشط العرب، ولكي نستعيد حقوقنا الضائعة ينبغي التفكير بكل البدائل، بدءا بالمحاكم الدولية، ومرورا بالتفاوض المباشر مع الاطراف المعنية، وتعزيز قوة هيئتنا البحرية العليا التي ولدت عام 2019 ومازالت تذود وحدها لتكون بمستوى الطموح، بينما تتوالى علينا الاتهامات من أصحاب العقول المشفرة لأسباب ودوافع لا تخفى عليكم. .
وسوف نواصل حديثنا عن خور عبد الله في الاجزاء اللاحقة إن شاء الله. .