بقلم : أياد السماوي ..
أكاد أن أجزم أنّ العراق هو البلد الوحيد في العالم الذي نمت فيه ظاهرة تسلّط أبناء وأخوة وأقارب المسؤولين على رقاب الناس وابتزازهم ومشاركتهم لقريبهم المسؤول في الفساد وسرقة المال العام , وهذه الظاهرة لم تكن معروفة في العراق قبل سيطرة المقبور صدّام على مقاليد الحكم في العراق عام 1979 , حيث أطلق المقبور أبناءه وأخوته وعشيرته على رقاب العراقيين فعاثوا في البلد دمارا وفسادا واجراما , ولكنّ ظاهرة تسلّط أبناء وأخوة وأقارب المسؤول في النظام الديكتاتوري السابق , كانت مقصورة ومحصورة على أقارب الديكتاتور فقط .. وبعد سقوط النظام الديكتاتوري وزوال عصابة صدّام المجرم , تنّفس العراقيون الصعداء وأصبحوا يتطلّعون لعهد جديد ليس فيه الكسيح عدي وقصي وسبعاوي وضبعاوي , لكنّ الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن , حيث اصبح أبناء المسؤول وأخوته وأقاربه في كلّ وزارة ومؤسسة من مؤسسات الدولة هم الطريق للوزير أو المسؤول في صفقات الفساد , وأصبح الفساد والنهب للمال العام في وزارات الدولة ومؤسساتها محصور بين الكتلة السياسية التي ينتمي لها المسؤول أو الوزير وبين الوزير نفسه من خلال ابنائه وأخوته وأقاربه حتى اصبحت وزارات ومؤسسات الدولة دكاكين للكتل السياسية والوزراء في سرقة ونهب المال العام , ولم ينأى حزبا سياسيا واحدا أو مسؤولا أو وزيرا من هذا الفساد والنهب للمال العام إلا ما رحم ربي ..
خلال اليومين الماضيين تسرّبت بعض الأخبار عن صدور أوامر قبض بحق بعض الوزراء وأبنائهم بسبب الفساد أو ما يسّمى ب ( الكومنشنات ) , وإذا كانت هذه الأوامر محصورة الآن ببعض الوزراء كوزير الزراعة وأبنه أو وزير النفط وأبنه , فالأيام القادمة ستأتي بأغلب الوزراء والمسؤولين وأبنائهم وأخوتهم والمتورطين معهن من كتلهم السياسية , فليس من المنطق ولا من المعقول أن يعاقب الوزير أو المسؤول الفاسد من دون أن تحاسب الكتلة التي جاءت به والشريكة معه في الفساد والنهب والسرقة , وأكاد أن أجزم أنّه لا يوجد مسؤول أو زعيم حزب أو كتلة سياسية لم يسلّط أخوته وأبناءه وأقاربه على رقاب الناس , فإذا كان الأمر كذلك فلماذا إذن عارضنا نظام صدّام وكلّ واحد منّا يحمل في داخله نسخة أسوأ من نسخة صدّام ؟ وبدوري ادعو القضاء العراقي الموّقر أن يضرب بيد من حديد كلّ من توّرط مع المسؤول أو الوزير سواء كان ذلك من أقاربه أو من كتلته السياسية , فليس من المقبول أبدا أن يقدّم الوزير أو المسؤول اللص هو وأبنه كبش فداء ويترك اللصوص في الكتلة السياسية التي جاءت به .. وبما أننا مقبلين على تشكيل حكومة خدمية , ادعو كافة الكتل السياسية إلى إعطاء رئيس الوزراء الجديد الفرصة في اختيار وزرائه بنفسه , فالرجل هو أبن الدولة ويعلم جيدا بدروبها ودهاليزها , ويعرف الجميع واحدا واحدا , وليكن الجميع له عونا في تأدية هذه المهمة الصعبة والعسيرة , والله وبالله أنّها مهمة صعبة وعسيرة في هذا الزمن , أعانك الله أيّها السوداني المبتلى كيف ستحمل هذه الأمانة الثقيلة التي هي أثقل من الجبال ؟ وقد آن الأوان أن ينتهي عهد المسؤول أو السياسي الحاكم والتاجر في وقت واحد , فإما حاكم بدون تجارة أو تاجر من غير حكم ..
أياد السماوي
في 23 / 09 / 2022