بقلم: كاظم فنجان الحمامي ..
يذكرني موضوع هذه المقالة بقصيدة جميلة للشاعر أحمد الصاوي، بعنوان: (خذوا حصتكم من دمنا.. وانصرفوا). . . .
قبل حرب الخليج الثالثة كان مدير عام الموانئ (اللواء البحري الركن مؤيد الآلوسي) يفتتح اجتماعات مجلس إدارة الشركة بكلمة يكاد يكررها كلما وضع يده على صفقة من صفقات المال المنهوب، فيقول: (يا جماعة هسه حتى اللي يريد يأكل المفروض يأكل بخاشوگة مو بكرك)، والكرك: هو المجرفة. . .
جاءت فكرة هذه المقالة بمناسبة الاعتراف الرسمي بمصادرة مليارات الدولارات عيني عينك، وبعلم معظم الأطراف المعنية وغير المعنية. .
عندنا أفواج من وزراء المالية، وزير يتبعه وزير يتبعه وزير، وخبير يتبعه خبير يتبعه خبير في كل تشكيل من التشكيلات الوزارية المتعاقبة، وجميعهم من جهابذة الشؤون المالية، أيعقل ان هؤلاء كلهم ليست لديهم فكرة عن مصير أموال الضرائب ؟، أيعقل ان تلك الأموال الهائلة تسربت نحو المجهول في غفلة من مراصد الأجهزة التدقيقية والرقابية ؟، أيعقل ان فرقة الفرهود التي ابتلعت الأموال كلها كانت تعمل بلا غطاء يحميها، وبلا جهات عليا تتستر عليها ؟. أيعقل ان انظمتنا المالية مخترقة من الباب إلى المحراب ؟، أيعقل ان الأرقام الفلكية في مسلسل الدفعات النقدية تبخرت كلها في هذه الأجواء المربكة من دون ان تفوح رائحتها في الدفعة الأولى أو الثانية أو حتى الثالثة ؟. ثم لماذا نُفاجىء في كل حقبة بسرقة المليارات بين ليلة وضحاها، وبلمح البصر، حتى لم تعد موجودة، ولا يُعرف مصيرها ؟. ألا ترون ان سرقة أموال الضرائب، سبقتها سرقة مدخرات التقاعد، واعقبتها ضياع أموال التوقيفات التقاعدية ؟. .
في الموانئ عندما قررنا الانتقال من الجباية الورقية المترهلة إلى الجباية الإلكترونية الدقيقة، اشتركت جميع الجهات الفرهودية المتطفلة على عمل الموانئ في رفض فكرة الجباية الإلكترونية، وكانت مدعومة كلها من الدكاكين (الاقتصادية) المرتبطة بالكيانات المؤمنة بسياسية علي بابا والمليون حرامي، وصرنا في انظارهم نحن الحرامية، اما الآن وبعد افتضاح صفقة السرقات المليارية بالعملة الصعبة، نقترح على زعماء العصابات ورجال المافيات الاتفاق على صيغة لتحصيل الإتاوات والخاوات، نتنازل فيها عن 5% من مواردنا، بينما يحتفظ الشعب بنسبة 95%، ليستعين بها على بلواه في مواجهة التحديات المحدقة به، والمعروف أن للمال أغراضاً عديدة، تبدو للوهلة الأولى أغراضاً نظيفة وناصعة البياض. ولكن ما أن يلتقي عامل المال مع عامل السياسة، حتى تتوسخ الصورة، وبخاصة حين يودع هذا المال بأيدٍ بعيدة كل البعد عن الأمانة والشرف. .
ختاماً: يتعرض العراق الآن للنهب، ولا حسيب ولا رقيب، ويتصرف بنا المتنفذون كما لو اننا ملكاً لهم، فالسرقة والنهب في بلادنا لا سابقة لها في التاريخ قط. أموال فلكية تُنهب وتتسرب خلف الحدود. .
فخذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا، وعلينا نحن أن نحرس أرض الرافدين، وعلينا نحن أن نحيا كما نحن نشاء. آن أن تنصرفوا، وتقيموا أينما شئتم، ولكن لا تقيموا بيننا. .