بقلم: كاظم فنجان الحمامي …
بداية: لا تصدق كل ما تسمعه، وصدق نصف ما يقع أمام عينك، وأترك النصف الأخر لعقلك. .
حتى عقلك لا تثق به أكثر من قدراته المحدودة، فالمشاهد التي تسمعها وتراها، وتتناقلها بعض الأبواق الإعلامية حول موضوع السرقات المليارية، ليست سوى الأبخرة المنبعثة من فوهات البراكين الخامدة. .
وأعلم ان الشركات والأشخاص المتهمين حتى الآن، لا يمثلون الا نسبة ضئيلة من القوى التي خططت، ومهدت، وباركت، ودعمت، وسهّلت، ثم بعثرت الاوراق ومزقتها، وشتت الأنظار، وطمست الآثار، وازالت الشبهات، وسوف تمضي في مساعيها نحو احتواء الفضيحة والتستر عليها. .
فالجزء الذي يطفو على وجه الماء من جبل الجليد العراقي (Iraqi Iceberg) لا يمثل إلا الجزء الظاهر، والذي لا يزيد حجمه على 10% من الحجم الكلي. .
نعم هنالك أكباش فداء، وضحايا ومغفلين وكومبارس، لكن الجزء الاكبر من الحقيقة سيبقى مغموراً تحت سطح الماء، ويمثل (90%) من الأسرار والحقائق المجهولة والغامضة والمبهمة. .
ولا تظن ان ما تسمعه وتقرأه عن تلك السرقات يمثل صورة طارئة من صور السطو على المال العام، فما تراه وتسمعه عبارة عن مشاريع مدروسة بعناية، تشترك في تنفيذها مجاميع مدربة ومجندة. .
واعلم أيضاً ان (الحوت)، الذي يُقال انه ابتلع المليارات، لم تكن له القدرة على الغوص في الأعماق السحيقة لو لم يكن مدعوما من قطعان الحيتان العابرة للقارات. .
وربما سيكون مصير أمانات هيئة الضرائب مثل مصير امانات هيئة التقاعد، وقد تتبعها أمانات هيئة الجمارك، وأمانات هيئة المنافذ. خصوصا بعدما صدأت صمامات الامان، وفقدت قدرتها على كبح جماح الحيتان الشرهة. ومثلما هناك الحيتان الهائمة على وجهها بين جداول الرافدين، كذلك هناك سمكة البيرانا، السمكة الصغيرة الحجم، التي تستطيع أن تحوّل إنساناً إلى هيكل عظمي في غضون بضع دقائق، كونها تنتقل في جماعات، وتلتهم كلّ شيء في طريقها. وبالتالي فإنّ سرقة المال العام في العراق لا تقتصر على الحيتان الكبيرة فحسب، بل إنّ وزاراتنا وإداراتنا تعجّ أيضاً بأسماك البيرانا، الذين ينهشون من لحم المال العام من دون حسيب أو رقيب. .
تحدث هذه المشاهد أمام أعيننا كل يوم، بينما يدور الحديث بين فقهاء القوم في مجالسهم عن فقير جائع، سرق رغيف خبز فشبع، هل يحمد ربه أم يستغفر ربه ؟ . . .