بقلم: كاظم فنجان الحمامي ..
من محاسن الديمقراطية انها تكشف لنا عن معادن بعض أصحاب المناصب العليا الذين يستبدلون جلودهم في مواسم الكابينات الوزارية المتجددة، تماماً كما الزواحف والحشرات. .
ففي هذه الأيام التي نمر بها في العراق، بعد رحيل حكومة الكاظمي، واستبدالها بحكومة السوداني، سنشهد فصلاً جديداً من فصول المهزلة المتكررة، التي تختلط فيها الأوراق، وتهبط فيها القيم، وتتصاعد فيها الأصوات الناعقة، والحركات التمثيلية، التي تعبر عن قدرة بعض المدراء على تلوين وجوههم وجلودهم، وممارسة الخداع بألسنتهم، ليوهموا الوزراء الجدد بسلوكهم والانبهار بهم. تارة يتلونون بالدين، وتارة بالوطنية، وأخرى بالانتماء والإخلاص، فإذا كان الوضع يتطلب منهم البكاء يبكون، أو التودد يتوددون، أو العنصرية يتعنصرون، أو الكذب يكذبون، أو النميمة ينمّون، فهم يعتبرون الدهاء مجاملة، والتملق لباقة، والنفاق ذكاء، وتغير الولاءات تكتيك، والتزلف مرجلة، واللواگة مصلحة. ويمتلك بعضهم قدرات هائلة على التلوّن حسبما تُمليه عليهم المتغيرات، لا يحتفظون بالوجه ذاته، ولا بالمبدأ ذاته. فتكشف لنا المتغيرات عن بشاعة وجوههم الحقيقية، وتتعرى لنا أعماقهم، فنلمح مساحات التشوه المخيفة في دواخلهم. . .
صارت الوصولية والانتهازية من الأمراض المتفشية في معظم مؤسساتنا الرسمية وغير الرسمية. لم أر في حياتي مثل هؤلاء، وبخاصة في هذه الأيام، فما نراه ونسمعه يفوق الخيال في ابتكار المكر والخداع، إعلاميون اتخذوا من منصتهم محرابا للنفاق والكذب وما أكثرهم، وسياسيون من حولنا سيطر التلون على أساليب حياتهم، فأصبحوا يتنفسون كذباً ورياءً، وذلك من أجل بلوغ الغايات على حساب المبادئ. .
وقد لعبت المحاصصة دوراً سلبياً مؤثراً في العراق، فالوزير المولود في حاضنات المحاصصة، يكرس أيامه الاولى لتوزيع المناصب العليا على الموالين لعصابته، ثم تتفشى عدوى التغيير لتطغى على تشكيلات الوزارة. فإذا كان الوزير من جماعة (X) تتلون الوزارة كلها بألوان (X)، وإذا كان من جماعة (Y) تصبح الوزارة وتفرعاتها بلون (Y)، وبالتالي صارت مؤسسات الدولة قائمة على التزلف والنفاق والولاءات الكاذبة، ولا تحدثني بعد ذلك عن النمو والتنمية والنهوض والتطور والتطلعات المستقبلية. فالتوصيف الوظيفي لا محل له عندنا في ظل المحاصصة البغيضة، ولا أمل لنا في الإصلاح في هذه الاجواء الملبدة بالسحب الملونة. . .