بقلم: د.مظهر محمد صالح ..
وَصَفَ العالم البريطاني الشهير أبا ليرنر(1903-1982) الاقتصاد ابان الدورات الاقتصادية بانه اشبه ما بعجلة تفتقد لمقود السياقة وتسير على طريق تحفه المصدات القوية من على طول جانبيه. فعندما تصطدم العجلة بواحدة من تلك المصدات وهي خالية من مقود القيادة، فان نتائج الاصطدام تجعلها تتجه لامحال نحو طريق الاياب بدلاً من الذهاب ! وعندما تصطدم العجلة مرة اُخرى بتلك المصدات المرورية ،فإنها ستتجه هذه المرة باتجاه معاكس لمسارها. وهكذا يرى ابا ليرنر ان المجتمع الاقتصادي الذي ينبغي ان يتجنب الدورة الاقتصادية وتقلباتها ،لابد من ان يُجهز عجلته بمقود قيادة راسخ ويؤمن من ان السياستين المالية والنقدية القائمتين على مبدأ(لاجتهاد او التقدير) يمكن ان تمكن الحكومة من توجيه الاقتصاد بأمان والتصدي لدورة الاعمال الاقتصادية بفاعلية، سواء في مواجهة حالات الكساد في قاع الدورة الاقتصادية او حالات التضخم الناجم عن ضغوط الانفاق الكلي في أعالي الدورة المذكورة.وعدُ ليرنر( المحسوب على المدرسة الكنزية في الاقتصاد ) من طلائع من استخدم السياستين المالية والنقدية لبلوغ الاستقرار والنمو في الاقتصاد الكلي. لذا فقد ذهب الاقتصاديون في توصيف ابا ليرنر بكونه يمثل تيار( اليسار) إزاء ما ذهبت اليه مدرسة شيكاغو (اليمينية) النقودية في الاقتصاد بزعامة ملتن فريدمان(1912-2006).وعلى الرغم من ذلك، فقد اجرى الاقتصادي الراحل ملتن فريدمان مقاربة مُعدلة لحافلة ابا ليرنر او عجلته، ذلك باعطاء معنى مختلف آخر لها قائلاً: ان الاقتصاد هو ليس بحاجة الى سائق عجلة عالي المهارة يتولى تحريك مقود العجلة الاقتصادية وهو يواجه المواقف غير الطبيعية وغير المتوقعة في مسار الطريق الاقتصادي نفسه، بل على العكس من ذلك، فإن الاقتصاد هو بحاجة الى من يمنع اولئك الجالسين في المقعد الخلفي (من النقوديين) ان يتكدسوا جميعهم في المقعد الامامي ويمسكوا بمقود العجلة ويحركوه جميعاً مرة واحدة وكلاً على رغبته، ما يجعل الحافلة تخرج عن مسار طريقها!! وهنا ينتقد فريدمان البنك الاحتياطي الفيدرالي(البنك المركزي) منوهاً بالقول: ان الحافلة او العجلة لابد لها من ان تسير بيسر وهي تقطع طريقها بثبات وتأنٍ ما لم يعترضها البنك المركزي ليفقدها استقرارها واعتدال مسارها وهي تسير على طريق الاستقرار الاقتصادي!.ان ما كان يريد قوله اليساري الكنزي ابا ليرنر في تشبيهه لحالة الاقتصاد بتلك العجلة او الحافلة، جاء ليجسد حالة الاقتصاد الداخلية غير المستقرة الذي هو بأمس الحاجة الى مقود القيادة. وهو في الاحوال جميعاً تعبير عن اهمية توافر سياسة اقتصادية حكومية مالية و نقدية قائمة على مبدأ(الاجتهاد او التقدير Discretion-).في حين ماذهب اليه ملتن فريدمان جاء منطلقاً من تعديل التشبيه الذي ذهب اليه ابا ليرنر من سياسة مالية ونقدية تدخلية فاعلة، حيث يوكد فريدمان ان الاقتصاد هو في حالة استقرار مستمر وان اضطرابه يأتي من السياسات غير المستقرة التي يعتمدها البنك المركزي نفسه.وان فرض الاستقرار في الاقتصاد الكلي يتطلب ان يعتمد البنك المركزي مبدأ(القواعد الثابتة-Rules) ذلك بجعل المعروض النقدي ينمو بنسبة مئوية ثابتة ومن خلال سياسة نقدية حكيمة ومنضبطة.