بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
تتعرض الأدمغة المنتجة لحملات التصغير والتهميش والتسفيه والإقصاء على يد المضخات الاعلامية التي كرست جهودها لتجميد نشاطاتهم، ومنعهم من ممارسة التثقيف ونشر الوعي. .
نحن لا نتكلم هنا عن برامج التفاهة ولا عن مظاهر التسطيح والاستغباء، وانما نتحدث عن ظاهرة خطيرة نجحت حتى الآن في إعلاء شأن الاغبياء والمتخلفين، فمنحتهم السيادة المطلقة في التسلط، وجعلتهم الشريحة المتفوقة، وعزلت العلماء والمفكرين وفرضت الحصار عليهم. .
فهؤلاء عادة ما يتصدرون المشهد بطريقة غير شرعية، يغيب فيها الحق والعدل، ويحضر فيها الظلم والقتل، ويكثر فيها الحبس والسجن، وتسيل فيها الدماء أنهاراً. لا لشيء إلا لأنهم يعلمون أنهم غير مؤهلين ولا جديرين بهذه الولاية، فيسلكون سلوك أرباب العصابات والمافيات. .
لقد تسببت التداعيات السياسية حتى الآن في نفي العقل واحتجاز المنطق السليم، فالظواهر الصوتية المشاكسة التي تستعرضها الفضائيات من وقت لآخر لا تمثل الصورة الحقيقية للعقل، وشتان بين لغة التنوير ولغة الإثارة. ولسنا هنا بصدد تشخيص الظواهر الصوتية المشاكسة التي يمثلها فلان أو غيره، بقدر ما نريد التركيز على حملات تغييب العقل جملة وتفصيلا. .
فعندما يتغلغل الخوف في قلوب رجال الدولة، يصبح العقل عدوهم. حينئذ يدرك المتسلطون أن سياستهم مخطئة، فيصبحون أعداءً للعلماء والمفكرين. وقد تدفعهم ظنونهم السيئة إلى إتهامهم ومضايقتهم ومطاردتهم. وكلما كان الخوف أعمق زاد ما يتولد عنه من وحشية، فيندفع الحكام تحت تأثير منطق مجنون إلى القيام بأعمال تزداد قسوة لكي يكتبوا ذكريات أخطاءهم الأولى. وهم لا يستطيعون التمهل ليفكروا، لأنهم لو فعلوا ذلك فكأنهم يشكون فيما يعتقدون. .
فما نراه امامنا اليوم هو صورة حية لغياب العقل وتسيد الجهل، حيث يطفو على السطح قبيح فعالهم وسوء أثرهم. .
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا. .