بقلم : فالح حسون الدراجي …
في أمس الاول، جرت مباراتان مهمتان من مباريات دور ربع النهائي في بطولة كأس العالم 2022 ، وقد ظهرت في هاتين المباراتين صورتان متناقضتان، صورة بلون أبيض ناصع رسمها اشقاؤنا المغاربة في مباراتهم التاريخية مع اسبانيا، والتي فازوا فيها بضربات الترجيح، بعد ان قاتلوا قتالاً عظيماً، وكافحوا كفاحاً مريراً، لا سيما وهم يعلمون ان مباراتهم ستكون قوية وخطيرة وحاسمة، لذلك شدوا أحزمتهم كما يشدها الرجال الأشداء عند الرزايا والصعاب .. لا يخافون خصماً كبيراً مهما كان، حتى لو منتخب اسبانيا بشحمه وعظمه، وكأني أرى عمنا المتنبي يقول في المغاربة وليس في غيرهم هذه الأبيات:
” على قدر أهل العزم تأتي العزائم .. وتـأتـي على قدر الكريم الكرائم ..
وتكبر في عين الصغير صغارها.. وتصغر في عين العظيم العظائم .. “!
نعم، هو منتخب اسبانيا
وليس منتخب جزر القمر، أو منتخب جرف البحر ..
منتخب اسبانيا بطل كأس العالم نسخة 2012، والفائز ثلاث مرات بكأس الامم الاوربية.. والقادم الى الدوحة بمدرب كبير ذي تاريخ حافل ومثقل بالمنجزات والبطولات، وحتماً أن اشقاءنا يعرفون انهم سيقابلون مجموعة شبابية فذة، فيها سبعة لاعبين من نادي برشلونة، وعدد غير قليل من لاعبي ريال مدريد، واتليتكو مدريد، ومانچستر سيتي، وباريس سان جيرمان، وفالنسيا، وأندية أخرى..
لذلك، ومن اجل صناعة مجد عربي كروي جديد، رأينا أحد عشر مقاتلاً مغربياً، يهجمون كلهم بقوة ومعنويات عالية، ويدافعون كلهم بشراسة عجيبة، ويقفون وقفة رجل واحد، حتى تمكنوا من الحاق الهزيمة بـ (المحتل الاسباني)! ليخرجوه من بطولة كأس العالم، ويعيدوه على اول طائرة مغادرة الى مدريد. لقد شعرت أن المغاربة كانوا يلعبون الكرة، لكنهم كانوا في الوقت نفسه، يثأرون لاجدادهم الذين هُزموا أمام الإسبان في معركة (تطوان) الحربية عام 1860م ، وقد حققوا ما رموا اليه، وأثلجوا صدور أبناء الامة العربية من المحيط الى الخليج، بما في ذلك أبناء الجزائر والصحراء الغربية!
لقد تناسى العرب جميع خلافاتهم بفضل منتخب المغرب المدهش، وتحت راية أسود الأطلسي توحد المختلفون في اسناده ودعمه وتشجيعه، – وهو يستحق التشجيع فعلاً- نعم، لقد تألق جميعهم دون استثناء، ولم يكن ياسين بونو وحده فارس هذه المباراة- مع الإقرار بدوره الكبير في صناعة هذا الفوز المبهج – إنما كان معه رفاقه ومدربه وجمهوره – لاسيما المشجعات المغربيات الفاتنات المتواجدات في كل مكان، وليس في ارض الملعب فقط- يستحقون الحب والاحترام والتقدير، فهم كلهم جديرون بنيل صفة فرسان وفارسات المباراة دون تمييز ..
ولا اخفي عليكم، فقد تمنيت ان اكون في أغادير المغرب بعد نهاية المباراة لأشارك اشقاءنا فرحة النصر الوطني والقومي، وأمتع نظري وخاطري، باحتفالات المغاربة في شوارع مدينة أغادير وشواطئها، وأعدل مزاجي المتعكر منذ أن تعرض العراق لزلزال (سرقة القرن) الكارثي الأسود، وهل هناك ما يعدل المزاج، ويعيد الابتهاج الى القلب، والروح، والعقل غير الجمال المغربي الباذخ ؟!
شكراً للمغرب وفريقه البطل، وهم يسعدون امة لم تسعد منذ قرون …!
إذن، هذه هي الصورة البيضاء التي رسمها رفاق حكيمي وزياش يوم امس الأول ، تقابلها للأسف، صورة سوداء كالحة صبغها رونالدو بأنانيته السوداء، وحبه العجيب لذاته، ونفسه، بحيث لم يستطع إخفاء نرجسيته في مباراة البرتغال وسويسرا. لقد كشف رونالدو عن بؤسه وانزعاجه لفوز فريقه بستة اهداف مقابل هدف واحد، حتى يكاد المشاهد الذي لم يتابع المباراة، ولايعرف نتيجتها، يتوقع أن فريق البرتغال منهزم بستة اهداف، وليس الفريق السويسري الذي ظهر لاعبوه بوضع نفسي أفضل بكثير من وضع رونالدو النفسي!
ولا عجب حين يتعرض رونالدو بعد هذه الصورة، الى الحملات العنيفة المختلفة والمتنوعة، والتي جاء بعضها من قبل جمهوره نفسه..!
لقد كان على رونالدو أن يصافح الفتى الذي لعب بدلاً عنه في هذه المباراة وسجل ثلاثة اهداف في مباراة واحدة، ويشجعه، بدلاً من أن يدير وجهه عنه، حين جاء اليه ليصافحه، كما كان على رونالدو ايضاً – وهو رئيس الفريق ونجمه الاول- ان يفرح مع زملائه بعد الفوز الهائل، ويذهب معهم لتحية الجمهور الذي ظل ينتظر على المدرجات بعد انتهاء المباراة لفترة غير قصيرة، لكنه تركهم ومضى غاضباً، مكفهراً، كانه يشيع عزيزاً مات للتو.. إنها ذروة الأنانية، وحب الذات!
هنا فقط تذكرت صديقنا (الخال)، ذلك الشخص البسيط الكريم الطيب، الذي أسس فريقاً شعبياً في مدينة الثورة منتصف السبعينيات، حين كانت (المدينة) كلها تلعب كرة قدم، وقد صرف الخال من جيبه على هذا الفريق، واحاطه برعايته وحبه، لكن المشكلة أن الخال لم يلعب الكرة في حياته قط، ولا يعرف حرفاً واحداً من أبجديتها.. لذلك تراه في مباراة لعبها فريقه مع فريق شعبي آخر، وبعد أن انفرد مهاجمه المرحوم تركي جبار (شقيق الفنان صباح الخياط) بمرمى الفريق الخصم، يقف بمديد قامته، وهو يصرخ باعلى صوته: (طيّح روحك خالي.. طيّح روحك خالي) ومعناها: اسقط نفسك على الأرض- إلا أن تركي لم يكترث له، ومضى مسرعاً نحو المرمى ليسجل هدفاً جميلاً، لكن الخال لم يفرح كثيراً بهذا الهدف ولم يعره اهتماماً.. وبعد انتهاء المباراة، جاء اليه المرحوم تركي باسماً، وهو يقول له: خالي ليش تريدني أطيح روحي؟
فاجابه الخال: حتى تآخذ برنتي- ويقصد بلنتي-!
فقال له تركي: بس آني أخذت گول – يعني هدف!
لكن الخال لم يعجبه الامر فهز يده وقال: لا خالي لا ، وين صيت البرنتي وين صيت الگول.. صيت البرنتي أقوى هواي خالي!
لذا أعتقد أن رونالدو يفضل صيته (أي اسمه) على صيت بلاده وسمعتها، ومن أجل ذلك تراه (طيّح روحه) في وحل الأنانية، أمام مليارات المشاهدين!