بقلم: فالح حسون الدراجي ..
لا أعرف لماذا يتم الإهتمام بمنصب وزير الداخلية في العراق، ولا تعطى الأهمية ذاتها لمنصب وزير الدفاع، سواء من حيث اختيار شخصية الوزير، والشروط التي يتوجب توفرها فيه، أو من حيث المساحة والصلاحيات وسلّم موقع المسؤولية في الخارطة العسكرية والأمنية..
إن فتح باب المناقشة لهذا الموضوع يأخذنا للكشف عن نوعية وكفاءة وامكانات الوزراء الذين تسلموا منصب وزارة الدفاع في العراق بعد 2003، ومع وافر احترامي وتقديري لجميع من شغل هذا المنصب إلا أن الامانة المهنية، والوطنية تفرض علينا قول الحقيقة دون وجل أو مجاملة.
ولو أقمنا مقارنة بين وزراء الداخلية في حكومات العراق بعد سقوط نظام صدام وبين زملائهم وزراء الدفاع، فستكون كفة وزراء الداخلية أثقل من كفة وزراء الدفاع، في القدرات الشخصية، وفي صلاحيات المنصب، ومستوى الاستجابة من قبل المستويات العليا في البلد..وكي نكون منصفين، فإن ثمة استثناءات يمكن التعرف عليها بسهولة في وزراء المنصبين، فلا كل وزراء الداخلية عشرة على عشرة، ولا كل وزراء الدفاع صفر من عشرة.. وعلى سبيل المثال، فقد كان خالد العبيدي وزير الدفاع في حكومة العبادي، شخصية قوية، حازمة وحاسمة، لذلك أقاله مجلس النواب بعد سنتين فقط من تسلمه المنصب.. !
واللواء عرفان محمود الحيالي الذي تسلم حقيبة وزارة الدفاع في حكومة العبادي أيضاً.
وهنا أقولها للتاريخ، حيث يجب ان تعرف الأجيال الجديدة، ان عرفان الحيالي مناضل وبطل وطني، وعراقي، من رأسه حتى أخمص قدميه..وقف معارضاً للدكتاتور صدام حسين، وأشهر سيفه مع ثلة من السيوف الوطنية بوجه النظام الفاشي، فكان ثمن هذه الوقفة البطولية حكماً بالاعدام أصدره المجرم عواد البندر، لكن الأقدار أنقذتهم جميعاً من تنفيذ الاعدام، فقضوا سنوات في المعتقل، ثم أطلق سراحهم .. ورغم هذا الرصيد الوطني، فإن الحيالي لم يات للمنصب بسهولة، إنما تم اختياره بصعوبة بالغة، ولكن، هل نجح هذا البطل في تفعيل المنصب وجعله بمستوى وحجم وزير دفاع العراق؟
الجواب: لقد حاول وبذل الرجل جهوداً كبيرة من أجل ذلك، ونجح نجاحاً طيباً في بعض القضايا المهمة، إلا أن الظروف المعروفة التي تشكلت فيها الخارطة السياسية في عراق ما بعد 2003، حالت دون تحقيق كل ما كان في رأس الحيالي من طموحات وطنية عسكرية. وطبعاً، فأنا لا أطعن في نزاهة وكفاءة الأشخاص الآخرين الذين تسلموا منصب وزير الدفاع، لكني أرى أن استقلالية قراراتهم كانت محدودة، ومعرضة لتدخل القوى السياسية التي رشحتهم للمنصب.. وقد رأينا فيديوهات عدة لأشخاص تسلموا مناصب عليا في الدولة يقسمون بالولاء لمن رشحهم، وليس للدولة والشعب كما يفترض ان يكون !
إن ضعف بعض الذين وقع عليهم الاختيار لمنصب وزير الدفاع في العراق لايعود لعيب فيهم شخصياً، إنما العيب يكمن في نظام المحاصصة،وفي الجهات السياسية التي (باعت) لهم المنصب، حتى قيل إن منصب وزير الدفاع وصل سعره الى 100 مليون دولار (كاش نقدي)..وأنا أميل لتصديق هذه الأقاويل، وإلا بربكم، هل يعقل ان يمنح حوت، كاسر مثل (أبو فلان)، منصب وزير الدفاع الى ضابط غير معروف، مجاناً لوجه الله تعالى؟
وقد يسالني سائل: وهل ان منصب وزير الداخلية يمنح مجاناً للوزراء؟
والجواب: كلا، إذ ليس ثمة مناصب مجانية، فاحزاب المحاصصة(مو جمعيات خيرية تفتح أبوابها للفقراء) إنما هي أشبه بجهنم التي كلما أعطيتها، تقول: هل من مزيد ؟! لذا، فإن لكل منصب كبير ثمنه، ولكن – وحسب معلوماتي – فإن وزراء الداخلية، لا يدفعون الثمن نقداً (كاش)كما هو الحال في فاتورة منصب وزير الدفاع،إنما قد يسدد للجهة المرشحة بطرق أخرى، مثل درجات مميزة في مديريات الوزارة، أو تعيينات شرطية متنوعة، وتسهيلات مع موافقات تقدم للكتلة خارج النص والقواعد، وغير ذلك من الأمور، فضلاً عن ان بعض الذين شغلوا منصب وزير الداخلية هم أصلاً من أبناء الجهة السياسية التي ربحت محاصصة هذا المنصب، ومثال على ذلك السيد قاسم الأعرجي، القيادي في منظمة بدر، فهو أحد الذين حملوا البندقية في اول صباه، وقاتل في صفوف من وقفوا بوجه الطاغية صدام، لذلك لا يمكن التصديق بأن تطلب المنظمة منه مبلغ 100 مليون دولار مقابل منحه المنصب، ليس لان الاعرجي رجل نزيه فقط، ولا لأنه أيضاً لا يملك مثل هذا المبلغ، أو أي مبلغ آخر فحسب، إنما لأنه معروف بانتمائه المبكر لمنظمة بدر، فكيف يعقل أن يدفع الإبن رشوة لأهله؟!
وثمة نقطة أخرى، وارجو أن لا تحسب في الحساب الطائفي، رغم أن الكثير يعرفون كراهتي للطائفية، وهي أن الذين تسلموا منصب وزير الداخلية في العراق، قدموا من عوائل فقيرة، وبيئات كادحة، لا يملك أحدهم ربع مليون دولار ، وليس 100 مليون! ومثال ذلك وزير الداخلية الأسبق، الصديق جواد البولاني، ابن الحاج كاظم عيدان، وابن مدينة الثورة الكادحة، الذي لعب الكرة في ساحاتها، ودرس وتفوق في مدارسها، ونال بكفاءة شهادة الهندسة من الجامعة التكنولوجية.. وحين وقع الاختيار عليه ليكون وزيراً للداخلية، لم يكن يملك أكثر مما يكفي لمعيشته ومعيشة عائلته، رغم انه من عائلة وعشيرة لها صدى وصيت في قرى محافظة الديوانية.. إن شخصاً مثل البولاني يستحيل عليه أن يشتري منصباً بأي مبلغ حتى لو كان بخساً، لأننا نعرف أن فاقد الشيء لايعطيه !
وثمة وزراء داخلية عرفوا بنزاهتهم، وانضباطهم العسكري، وقيمهم المهنية والوطنية قبل أن يرشحوا لمنصب وزير الداخلية مثل الفريق أول ركن عثمان الغانمي، والفريق اول ركن عبد الأمير الشمري، اللذين لم أسمع عنهما أية مثلبة، ولا عملاً قاما به خارج إطار الصورة العسكرية الملتزمة والمحترمة، وقطعاً فإن مثل هذين الجنديين النزيهين لن يدنسا اسميهما، ولا يمكن أن يلوثا شرفهما العسكري لا سمح الله، فيدفعا رشوة من أجل منصب غير دائم !
وتأسيساً على ذلك، ارجو أن ينتبه الجميع الى أننا نعاني منذ زمن بعيد من ضعف وزراء الدفاع، حتى بتنا نشعر أن وزارة الدفاع في العراق بلا وزراء، وإنها شاغرة فعلياً، حتى وإن كان يتربع على كرسيها شخص يسمونه وزيراً، والسبب يعود برأيي لكون مزاد منصب هذه الوزارة يفتح أمام كل من هب ودب، وفي متناول كل من في جيبه مال يكفي لأشباع نهم السياسيين الفاسدين.
لقد ارتفعت القيمة المالية لكرسي وزارة الدفاع، وهبطت قيمته الاعتبارية للأسف الشديد!
لذلك دعونا نعيد لهذا الكرسي قيمته،ونعيد لهذا المنصب استحقاقه، وأن لا ننسى ان الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم، كان يوماً قد جلس على هذا الكرسي، وتقلد هذا المنصب، وشرّفه وتشرف به، فلنعد للكرسي اعتباره.
ولا بأس ان ننظر لمنصب وزير الدفاع في الدول المتقدمة القوية، ونمعن في الأداء الأمثل لوزرائها، فالولايات المتحدة مثلاً، تتقاسم النفوذ والقوة فيها وزارتا الدفاع والخارجية فقط، وكذلك الحال في دول اوربا ايضاً، وقد يقول من يقول هنا، إن أغلب وزراء دفاع اوربا (سيدات)، وليس رجالاً؟
وأنا أقول: ما العيب في ذلك، فهن نساء جميلات، فاتنات، بل وأحلى من مارلين مونرو، لكني كم تمنيت أن يكون وزراء الدفاع العرب بـ (رجولة) وزيرات دفاع اوربا !