بقلم: هادي جلو مرعي ..
يهمل معظم الناس العامل الأخلاقي في العمل.خذ مثلا مسؤول في مؤسسة إعلامية طلب محررا للأخبار، فجاءوا له بواحد، وقالوا له: إن هذا شخص محترم ولديه أخلاق جيدة جدا، فرد عليهم : إنه لايهتم لأخلاقه، بل لمهنيته، وبالطبع فهذا المسؤول مغفل لأن المعادلة واضحة، وأساس العمل هو الأخلاق، فالإحتراف يمكن أن يتأتى من خلال التدريب، وبناء المهارات، ولكن الأخلاق لاتأتي بالتدريب خاصة مع شخص بلغ سنا يتيح له تحمل المسؤولية. والأخلاق تتطور وتنضج منذ النشأة الأولى للإنسان، ويتحصل عليها بفعل ماطبع به وغرز فيه، ومن التربية الأسرية ومن التعليم، وحتى الوراثة التي توفر عناصر نضج أخلاقي، فإذا وصل الفرد الى مرحلة عمرية وهو بلاأخلاق، أو حاول تهميش العامل الأخلاقي، وركز على الحرفة والعمل فلن ينجح، أو سينجح في جزء من العمل، لكن ستكون الصورة هكذا وكما سنوضح.
يمكن للصحفي، أو السياسي، أو الطبيب أن ينجح مهنيا، غير أنه سيتحول حين يفقد الهامش الأخلاقي الى شخص يمكنه تحقيق مكاسب مالية محرمة، أو ان يغدر بزملائه، أو أن لايعمل بصدق، فالصحفي حين يفتقد الأخلاق يكون عرضة للكذب والإحتيال والدونية، ويتحول الى أداة رخيصة، والطبيب حين يفقد العامل الأخلاقي يحول المريض الى سلعة، أو تجارة، فيتحالف مع صاحب الصيدلية لتصريف الدواء، ومع صاحب المختبر لإجراء تحليلات لايحتاجها المريض، وهنا تنحرف الأمور عن مسارها الطبيعي، فلاتعود الأخلاق، ولاالإنسانية يملكان دورا في السلوك البشري الذي يطبعه خلق الغابة، وحينها ينهش القوي كما الضواري الضعيف، ولايبقي منه سوى مايستخدمه لدوام غروره ووحشيته.
عامل الأخلاق في السياسة مهم، ولايعني أن يكتب شخص بارع مثل ميكافيلي كتابا يضع قواعد السياسة وتدبير الحكم أن هذا العامل طاريء على السلوك البشري، وخذ مثلا هذا البيت من الشعر والفلسفة التي يرمي إليها
إنما الأمم الأخلاق مابقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وهنا إشارة الى السلوك البشري في كل ميدان، والحاجة الى تغليب الخلق الحميد في إدارة الامور، فلاالغدر ولاالخيانة ولاالكذب ولاالتدليس ولاالتضليل ولا كل خلق سيء يعود نافعا. لأن المسؤول، والذي يدير مؤسسة لابد أن ينظر الى حاجات الناس وضروراتهم، وأن لايتعالى عليهم، ولايصاب بالغرور، وأن لايمارس الأفعال الدنية في التعاطي مع حاجاتهم، وأن لايستغل منصبه لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المجموع العام من الناس لأنه سيكون فاسدا وظالما، ويحرم الآخرين من حقوقهم مع أنه جاء بإختيارهم، وبقاؤه ودوامه وزوال منصبه وحكمه بهم، وبإرادة غالبة منهم لاترد ولاتقاوم، وإذا لم يغلب المسؤول الخلق القويم على الفاحش والدوني من السلوك فإنه سيقع في شر أعماله، والواجب هو ان يكون الفرد خلوقا، وأن لايتجاوز الحدود والقوانين التي يخضع لها الجميع، ومن غير المقبول الهيمنة على تلك القوانين وتحويلها الى أدوات طيعة لتحقيق مكاسب سياسية ومنفعية تنفع واحدا وتحرم الآلاف من الناس من حقوقهم الطبيعية.
لايمكن ضمان عملية ممنهجة في بناء الدولة حين يتكالب الناس على السلطة والمكاسب، ويهملون الإنجاز، وتقديم الخدمات، وبناء المؤسسات، ووضع المسؤولين في مواضعهم الصحيحة، ومحاربة الفساد الذي يسبب الخراب، ومن المهم منع السيئين والنفعيين من التحكم بمصائر العامة. فهولاء خطر على الدولة التي تتحول الى مؤسسة ربحية خاصة ينتفع منها البعض، ويبتلي بدائها الجميع حتى الذين أفسدوا فيها، وقدموا مصالحهم عليها.
السابق بوست
القادم بوست