بقلم : أياد السماوي ..
أهمية تقرير صحيفة الواشنطن بوست حول الانتهاكات والفظائع الخطيرة التي ارتكبتها لجنة الأمر الديواني رقم ( 29 ) سيئة الصيت بحق المعتقلين المتّهمين بقضايا الفساد , يتمّثل بأنّ هذا التقرير قد نقل هذه الانتهاكات والفضائع والجرائم التي ارتكبت بحق المعتقلين إلى الرأي العام العالمي والأمريكي , فتقرير صحيفة الواشنطن بوست قد أصاب الرأي العام العالمي بصدمة عنيفة لحجم وطبيعة هذه الانتهاكات التي ارتكبت تحت علم وتوجيه رئيس الوزراء السابق ( مصطفى عبد اللطيف مشتت ) , ففي الوقت الذي كان فيه الإعلام العراقي غير الرسمي يسلّط الضوء على حجم وطبيعة هذه الانتهاكات التي استمرّت لأكثر من سنتين , كانت بعثة الأمم المتحدّة العاملة في العراق والتي تدّخلت في كل شيء عراقي , قد أغمضت عينيها عمدا عن هذه الانتهاكات والفظائع بالرغم من المناشدات التي كانت تصدر من بعض الكتاب والسياسيين والنواب ومنظمات المجتمع المدني ومنهم كاتب هذا المقال , وكذا الحال بالنسبة للسفارة الأمريكية والبريطانية والفرنسية العاملة في العراق , حيث تعمّد الجميع على طمطمة هذه الانتهاكات ولم ينبسوا جميعا ببنت شفة للكارثة التي حلّت على العراقيين في ظل حكومة ( مصطفى عبد اللطيف مشتت ) ويده في الإجرام ( أحمد أبو رغيف ) ..
لكنّ الضرر الأكبر الذي نتج عن هذه الانتهاكات لا يتمّثل في الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمعتقلين وعوائلهم جرّاء التعذيب الوحشي الجسدي والنفسي فحسب , بل في الضرر الأكبر الذي لحق بسير العدالة وسمعة القضاء العراقي , فلجنة ( أبو رغيف ) استطاعت وللأسف الشديد أن تضلّل القضاء العراقي باعترافات انتزعت من المعتقلين تحت التعذيب الوحشي والتهديد باغتصاب أعراضهم , من خلال إجبارهم بالقوّة على الإدلاء باعترافات غير صحيحة أو بإجبارهم على التوقيع على اعترافات معدّة سلفا .. والقضاء العراقي قد تعامل مع ما موجود على الورق من اعترافات وأصدر أحكامه بناء على ما جاء في تحقيقات لجنة أبو رغيف سيئة الصيت , وهذه هي الكارثة الحقيقية .. وبالرغم من أنّ القضاء العراقي قد أعاد محاكمات بعض المتّهمين الذين صدرت بحقهم أحكاما بالسجن , إلا أنّ هذه المحاكمات هي الأخرى قد اعتمدت على نفس التحقيقات السابقة التي أجرتها لجنة أبو رغيف , في الوقت الذي ينبغي فيه أن يصدر القضاء العراقي قرارا بإلغاء كافة هذه التحقيقات وإعادتها من جديد من خلال هيئة النزاهة حصرا , وتقديم المتوّرطين في الفساد إلى القضاء بناء على هذه التحقيقات الجديدة .. والدستور العراقي في المادة ( 37 / أولا / ج ) واضح وصريح ولا يحتاج لتفسير أو تأويل , وقد نصّ على ( يحرّم جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية ، ولا عبرة بأيّ اعتراف انتزع بالإكراه أو التهديد أو التعذيب ، وللمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي اصابه ، وفقاً للقانون ) , كما أنّ قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم ( 169 / اتحادية / 2022 ) الذي حكم بعدم دستورية تشكيل لجنة الأمر الديواني رقم ( 29 ) , هو قرار ملزم وبات للسلطات كافة بما فيها السلطة القضائية , و وفقا للقاعدة القانونية التي تقول أنّ ما بني على باطل هو باطل أيضا , كان من المفترض أن تلغى كافة الإجراءات والقرارات التي صدرت عن لجنة الأمر الديواني رقم ( 29 ) .. ومن أجل سمعة قضاءنا العر اقي وتحقيقا للعدالة , أناشد القضاء العراقي الموّقر بإلغاء كافة التحقيقات التي أجرتها لجنة أبو رغيف وإعادتها مجددا من قبل هيئة النزاهة حصرا , ومن يثبت فساده يحال إلى القضاء لينال جزاءه ..
أياد السماوي
في 24 / 12 / 2022