بقلم: فالح حسون الدراجي ..
منذ أكثر من عام وأنا منكبّ بشكل يومي متواصل على قراءة مذكرات الضباط الأحرار من قادة ثورة 23 يوليو المصرية، تلك الثورة التي أسقطت النظام الملكي وحكم فاروق، وأسست على أنقاضه النظام الجمهوري في مصر.
وللحق، فإن قراءاتي لم تنحصر بمذكرات قادة الثورة من كبار تنظيم الضباط الأحرار واعضاء مجلس قيادة الثورة، إنما شملت أيضاً عدداً من مذكرات الشخصيات المخابراتية والاعلامية والسياسية التي كانت قريبة من زعماء الثورة، بل وكان بعضها بمثابة الحلقة التي تحيط بمجلس الثورة، إحاطة السوار بالمعصم.
لقد قرأت أكثر من عشرين كتاباً من كتب مذكراتهم، من بينها مذكرات اللواء محمد نجيب – أول رئيس لجمهورية مصر ومذكرات السيدة تحية كاظم زوجة الرئيس عبد الناصر ، ومذكرات الرئيس انور السادات، ومذكرات حسين الشافعي- أحد أبرز أعضاء مجلس قيادة الثورة، والشخص الأكثر ثقة لدى جمال عبد الناصر – ومذكرات عبد اللطيف بغدادي- عضو مجلس قيادة الثورة ووزير الحربية في عهدي نجيب وعبد الناصر- وكتاب مذكرات خالد محي الدين أحد كبار تنظيم الضباط الاحرار، الذي صدر عام 2018 بعنوان (والآن أتكلم)! والكتاب عبارة عن شهادة قيمة لخالد محي الدين، وقيمتها تنبع من قيمة خالد محي الدين نفسه، فهو أولاً اليساري الوحيد في مجلس الثورة، وهو أحد الستة الاوائل الذين شكلوا تنظيم الضباط الأحرار ، فضلاً عن موقف خالد المعروف من قضية الديمقراطية، ذلك الموقف الشجاع الذي دفعه الى الاستقالة من مجلس قيادة الثورة..
كما قرأت مذكرات جيهان السادات زوجة الرئيس انور السادات، ومذكرات برلنتي عبد الحميد زوجة عبد الحكيم عامر، ومذكرات كمال حسن علي وزير الحربية والخارجية ومدير المخابرات المصرية في عهد السادات، كما شغل منصب رئيس الوزراء في عهد حسني مبارك.. كما قرأت مذكرات فتحي رضوان وزير الارشاد القومي -الاعلام – في أول عهد لثورة 23 يوليو .. وقرأت مذكرات المرعب صلاح نصر – رئيس جهاز المخابرات المصري في عهد عبد الناصر، ومذكرات سامي شرف سكرتير عبد الناصر للمعلومات، ومذكرات اللواء جمال حماد- أحد الضباط الأحرار، وكاتب بيان الثورة الذي القاه أنور السادات صبيحة 23 يوليو .. ومذكرات كبار قادة الجيش أمثال سعد الدين الشاذلي وعبد الغني الجمسي واحمد اسماعيل وغيرهم. بل وقرأت كتاب ( ثورة يوليو الأمريكية: علاقة عبد الناصر بالمخابرات الأمريكية)! للصحفي والكاتب محمد جلال كشك، الذي كان قلمه على عبد الناصر قاسياً ..
وفي هذا الكتاب معلومات وتفاصيل ومؤامرات خطيرة عن مؤسسة الحكم الناصري!
وحتى تكتمل الصورة لديّ، فقد قرأت الكتاب الخطير (لعبة الأمم) تأليف العميل الأبرز في وكالة المخابرات الأمريكية (مايلز كوبلاند) وقد صدر عام 1966ونفدت طبعته الأولى في ثلاثة أيام فقط، وقد أحدث ظهوره زلزالاً في الوطن العربي، لم يهتز العرب في تاريخهم، بل والعالم ايضاً- كما اهتزوا عند ظهور (لعبة الأمم)، بعد أن اتهم فيه بعض زعماء العروبة الكبار بالخيانة، ودمغ آخرين منهم بالعمالة، ” وكشف بالوثائق والأدلة أسراراً ديبلوماسية جرت خلف الكواليس في المنطقة العربية، واختراق المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) لأنظمة الحكم فيها، وأظهر سلوك حكام ورجالات سياسة عرب في صور مغايرة لما كان شائعاً ومعروفاً عنهم قبل خروج الكتاب للنور”. وأنا أنصح كل عربي بقراءة هذا الكتاب المهم، عسى أن يتوقف لسان المواطن العربي عن تمجيد بعض الزعماء العرب الذين لم يكونوا غير نمور من ورق !
وبعد أن أنجزت قراءة كل هذه الكتب، توجهت نحو كتب مذكرات قادة الكيان الصهيوني، لمعرفة ما لدى زعمائه من آراء ومعلومات ووقائع وارقام واحداث تخصنا، أوما يخص تفكير ومزاج ورأي وتقييم قيادات العدو عبر أكثر من سبعة عقود دامية!
فقرأت مذكرات شارون، إذ من الصعب حتماً قراءة ومعرفة الأحداث الخطيرة التي وقعت على أرض فلسطين قراءة واعية دون الرجوع إلى سيرة (آرييل شارون) .. كما قرأت مذكرات رئيسة وزراء (اسرائيل) في أخطر مراحل الصراع العربي الصهيوني جولدا مائير، وقد فوجئت حين عرفت أنها مولودة في مدينة كييف الاوكرانية، وأنها لم تكن متدينة حينما كانت في أول شبابها، بل كانت تجادل أمها وتعارضها في ثوابت الديانة اليهودية كالصلاة والصوم وغيرهما، فضلاً عن موقفها السلبي من (الخلق والكون والخالق). وتعجبت كيف تحولت من فتاة رافضة للتدين اليهودي الى واحدة من أشد المتعصبين للصهيونية !
بعد ذلك قرأت مذكرات موشيه دايان وزير دفاع (اسرائيل) في حرب 5 حزيران عام 1967..وكان دايان اكثرهم صدقاً وتواضعاً .. لقد ذكرت كل هذه الكتب من أجل هدف واحد، مفاده، إشعار القارئ الكريم بأهمية الغاية أولاً، ولكي يعرف القارئ أيضاً أني أسعى للوصول الى الحقيقة فقط، عبر الاطلاع على مختلف الجهات والآراء والمصادر، وعدم الاعتماد على مصدر واحد مهما كانت مصداقيته، لأن أي خلل أو زلل في نقل مجريات التاريخ يعد بمثابة الخيانة التاريخية بحق الأجيال القادمة، فخيانة التاريخ لعنة أبدية لن تسقط عن حاملها مهما تتقادم الأزمان.
وعليه، وبعد كل هذه القراءات التي استغرقت اكثر من سنة، خرجت بنتيجة واحدة، مفادها أن الزعماء العرب الذين كان بيدهم الحل والربط كاذبون، فقد كذبوا على شعوبهم، وعلى بعضهم، وعلى أنفسهم!
وكان أكبر هؤلاء الزعماء كذباً هو الرئيس جمال عبد الناصر!
وطبعاً فإني لا أتهمه بالكذب جزافاً، ولا هو ادعاء من عندي، إنما أنا التقطته من كتب مذكرات رفاقه وزملائه، فقد تكرر في صفحات عديدة منها، وبإمكان القارئ الكريم مطالعة هذه المذكرات والتأكد من صدق ما قلت، ولم يكن عبد الناصر وحده يكذب، إنما مؤسسة الحكم برمتها، وسيكتشف القارئ أن مؤسسة الحكم في مصر ، كانت مثل بالوعة يجلس فوقها عبد الناصر بكل ثقله، وما أن غادرها الى مثواه، ورفع عنها الغطاء، حتى خرجت الروائح الكريهة الى السطح بكل ما احتوت البالوعة من نتانة وجيفة مخبوءة تحت الغطاء – وهذا الوصف ورد في اكثر من كتاب من مذكرات الضباط الاحرار أنفسهم.
لقد ظهر لكل من قرأ هذه الكتب أن أغلب القادة العرب يكذبون، وكان كل واحد فيهم يحاول تبرئة ذمته من خزي الهزائم، ملقياً العار على زميله!
في حين وجدت في مذكرات القادة الصهاينة شيئاً مختلفاً، وجدت لديهم نكران ذات عاليا، وتحمل المسؤولية فيما بينهم، واشادة بجدارة وبطولة الزميل، فمثلاً يقول موشيه دايان في مذكراته إن القيادة عينته قائداً لأحد الألوية المهمة، في حين أن نائبه كان أجدر منه وأحق بالمنصب، بل أن دايان امتدح بعض الفدائيين المصريين في حرب ال 48 قائلاً: ” اعترف بأن بعض الفدائيين العرب كانوا أشجع منا وهم يواجهوننا باسلحة بسيطة وبعضهم كان يواجهنا بصدره العاري..!
أما عبد الناصر وجماعته فقد انفضحت اكاذيبهم عندما ظهرت نتائج حروبهم المخزية مع اسرائيل.. حيث كان يقول (عبد الناصر): سندمر الجيش الاسرائيلي تدميراً شاملاً خلال 48 ساعة، وسنشرب القهوة في تل أبيب، واذا بالجيش المصري يُدمر تدميراً شاملاً خلال 36 ساعة على يد جيش العدو، وليس 48 ساعة، وفنجان القهوة لم يشربه عبد الناصر في تل أبيب انما شربه دايان في سيناء المصرية.. في حين أن صواريخ الظافر والقاهر الناصريين ، كانا كذبة فظيعة، صُرفت عليها ملايين الدولارات من قوت المصريين، ولم يصيبا دجاجة اسرائيلية واحدة وليس جنوداً او موقعاً اسرائيلياً!
لقد أوجعتني كثيراً جولدا مائير حين قالت في مذكراتها : ” لقد وجدنا تحت رحمتنا اكثر من 30 الف جندي وضابط مصري، حفاة عراة هائمين في صحراء سيناء ، تركناهم ولم نأخذهم أسرى كلهم- ماذا نفعل بهم – إنما التقطنا منهم 5000 فقط، لنستبدلهم بجندي اسرائيلي وقع أسيراً بيد جنود مصريين” !!
بكيت وجعاً وعاراً وغضباً، وشتمت عبد الناصر وصدام والقذافي وبقية جوق القتلة والطغاة، والعملاء !!