بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
كان داوود اللمبچي فارع الطول ممشوق القوام، عرفه الناس بمهنته القديمة الأولى (لمبچي)، وهي مهنة كانت شائعة في أزقة بغداد وشوارعها، تقتصر على إيقاد الفوانيس والمصابيح النفطية. ومهنة (اللمبچي) مأخوذة من (اللمبة) التي هي المصباح النفطي (الفانوس)، لكن (داوود) اشتهر في عشرينيات القرن الماضي بعد تصدره قائمة القوادين، وكان يتمتع بصلاحيات استثنائية واسعة تفوق صلاحيات كبار المسؤولين في تلك المرحلة الرمادية، ويبسط نفوذه على منطقة (الميدان) المشهورة بالملاهي والمسارح والمغنيات في فترة العشرينيات والثلاثينات. .
وظلت حصانة القوادين والغجر سارية المفعول حتى السبيعينيات، وكلكم سمعتم بتصادم الفريق طالب السعدون مع الغجر (الكاولية) عندما كان محافظاً لمدينة واسط، وكيف اصطف بعض قادة الحكومة وقتذاك لمناصرة الغجريات والداعرات، والتي انتهت باعتقال المحافظ نفسه، وتنحيته من منصبه، وطرده من الحزب. .
وما اشبه الليلة بالبارحة، فقد اكتسب اللصوص والحرامية واصحاب الشهادات المزيفة حصانات تفوق حصانة داوود اللمبچي. وتكررت اعترافاتهم بالسرقات المليارية من دون ان يحاسبهم احد، بينما تزايدت ضراوة المطاردات والمداهمات ضد الوطنيين الاشراف، وضد المفكرين الاحرار، وشملت الفقراء والمتعففين. .
وربما نضطر للتساؤل عن سر منح الحصانة للقتلة واللصوص، فيما إذا كانت بغرض إخفاء جرائم الذين دعموا اللصوص والقتلة ؟، أم لانهم ينتمون إلى فصيلة واحدة. فالطيور على اشكالها تقع. .
قبل بضعة اعوام اصدرت محكمة في السماوة، قراراً قطعياً بالسجن مدة عام ضد صبي بتهمة سرقة اربع علب من المناديل الورقية. لأنه غير مشمول بحصانة كبار الحيتان والديناصورات. .
حين مات داود اللمبجي لم تخرج في جنازته سوى البغايا والعاهرات. فرثاه بقصيدة غناها المطرب الراحل يوسف عمر. تقول بعض كلماتها:-
مات اللمبجي داود وعلومه كومو اليوم دنعزّي فطومه.
مات اللمبجي داود وَيْهوّه ويهوّه عليكم يهل المروّة.