بقلم: هادي جلو مرعي ..
تتحول الأزمنة، وترى الناس مختلفين، لايشبهون ماضيهم، ولايشبههم شيء من الحاضر، وأبناؤهم مختلفون عنهم، وجيل جديد يسحق القيم التربوية والأخلاقية والدينية، وفي مجتمع مثل العراق طحنته أزمنة الإستعمار والإحتلالات واللغات والحضارات والراحلين وعابري السبيل والدكتاتوريات والجوع والسجون والطائفية والمجانين الذين يحكمون بألف دماغ، ويعطلون أدمغة الناس، ويحولونهم الى قطعان، وليس الفقراء، فالقطعان هم المجبرون الخائفون، والقطعان هم الراغبون، والقطعان هم سكارى الوهم والعقائد الزائفة، والقطعان من يظنون أنهم على الحق، بينما هم في ضلال مبين، في مجتمع مثل هذا، وفجأة ودون تحضير، وبمايشبه الموت المفاجيء، أو مايشبه السكتة الدماغية حيث لاأمل في الحياة، فجأة مثل تلك يتحول كل شيء الى لاشيء، الى شعور زائف بالتحرر بالحرية بالوهم، يسلم الناس حياتهم بيد مجموعات طائشة متعطشة لكل شيء، للسلطة والمال والنساء والسفر والبيوت والسيارات، وكل ترف نعرفه، أو لانعرف عنه شيئا، فهو حكر على المتنفذين والضحايا السابقين الذين ينسون جوعهم القديم، ويتحولون الى جوع لاينقطع. يشربون فلايرتوون، ويأكلون، فلايشبعون، ويسافرون في كل وقت، ولكنهم يشعرون أنهم في السجن لأنهم يؤمنون بالحرمان سبيلا لإرضاء الذات، وإشباع الغرائز، فيظلمون سواهم، ويحرمونهم من نعم الحياة، ويحتكرون كل شيء، ثم لايفكرون سوى في مكاسبهم الوضيعة، ويلتذون بعذابات الناس، ويستمتعون بإطعام الجياع الذين سرقت أموالهم، فيكون الطاعم فخورا بمايطعم، وهو لص وضيع.
حين تتحول الأزمنة، ويشرع الناس بمستقبل مختلف، وحين يسكرون بلذائذ حرموا منها لايعودون يهتدون الى حكم رشيد يسوسهم ويقودهم بوعي، وينخرطون بالفوضى والفساد والسرقات، ويتجاهلون فكرة بناء الدولة، وحماية أمن المجتمع، وحياة الناس، وتوفير شروط الكرامة للإنسان، فيغلب الوهم والزيف وتسيطر المادية المقيتة، ويقتتل الناس على المال والمناصب، ويغادرهم خوف الله، وتطيش عقولهم وعقائدهم، ويحتكمون الى الخرافة ومطامع الدنيا، ويكون نظامهم ضعيفا يخدم النخبة، ويؤمن حاجاتهم، ويضع القوانين والتشريعات في خدمتهم، ولضمان مصالحهم، فيعجز عن حفظ مصالح العامة من المستضعفين، فيتفكك المجتمع، وتظهر السلوكيات الشائنة، وتكثر الملاه وشرب الخمور والزنا والمخدرات والكذب وأكل السحت، ولايرتدع الناس بقانون، وتجد الوضيع متقدما، والخائن مكرما، ويقل الوفاء، ويصطنع الناس حب وطنهم، بينما هم في طاعة لأوطان أخرى، ويتكاسل الناس عن عملهم فترى الخراب في كل مكان ومؤسسات الدولة تشبه الكمائن والقبور حيث الرشا وإستغلال الوظائف، ويخاف الناس مراجعة المؤسسات، فمعاملاتهم معطلة وكأن تلك المؤسسات ملك لبعض الموظفين والمسؤولين فيه،ا فلاتنجز معاملة إلا بعد التوسل، ودفع المال لصاحب الشأن، ويسارع الشباب الى المسكرات والمخدرات، ويلجأ غيرهم الى السرقة والترهيب، ولايرعوي الناس بفعل القانون، أو الدين، ويسخرون من القيم، وقد يلحدون، ويتصدر الساقطون والساقطات منصات الأنترنت، وتتسابق وسائل الإعلام للحديث عنهم ومعهم وكأنهم رجال علم ومعرفة وفهم، بينما يضعف دور رجل الدين والمثقف والأستاذ في الجامعة، ولايسمع صوت لمثقف، وتتحول النخبة الى نخلة متيبسة، وتكون القيم بلاقيمة، ويأنفها الناس، وتتصدر العاهرات المشهد، ولايرهبن عرفا، ولايحتشمن، ولايتأدبن، ويطبع سلوكهن الشذوذ، ويفسدن في المجتمع الذي أفسد المتطرفون دينه بالقتل والترهيب والتشدد المقيت، وصار يقارن بين من ترقص وتغني وتتاجر بجسدها، وبين المفسدين وسراق المال العام حتى إنه يفضل الشاذين على سواهم، بينما الحق أحق أن يتبع، فكل فسوق وفجور لاينبغي القبول به لأنه يهدم، ولايبني، في زمن يمكن لعاهرة أن تتحدث بما تشاء، وتفعل ماتشاء لاقيمة للكلمات لأن الخيرين معطلون عن دورهم ووجودهم لأنه زمن العاهرات.