بقلم: د. منال فنجان ..
اعتذر مقدما عن الاطالة النسبية في المقال
كما هو معلوم ان مفهوم الاحتلال بصوره التقليدية المتمثل بالعسكرة والجنود ومسك الارض اصبح غير ذي بال وانتقل مفهوم الاحتلال الى عناوين حداثوية ومنها احتلال التاثير ومن صوره وأهمها وأخطرها ملف الاقتصاد والتحكم فيه من حيث تداول رؤوس الاموال وحجمها سواء كانت نقدية او عينية والاستثمارات بالقطاعات كافة
ان العراق بعد عام ٢٠٠٣ تم تكييف فعل قوات التحالف قانونيا بانها قوات محتلة وهو احتلال واقعي لذلك صدر قرار مجلس الامن رقم ١٤٨٣ الذي طالب القوات الامريكية وحلفاءها بان تحترم الالتزامات الواردة باتفاقيات جنيف لعام ١٩٤٩ بخصوص تنظيم واقع الاحتلال واوضاع الدولة المحتلة انسانيا واقتصاديا وثقافيا وتراثيا ووجوب الحفاظ على ماورد اعلاه
ومن الامور التي نص عليها القرار في احد فقراته ان يتم تشكيل صندوق لتنمية العراق اسمه ( صندوق تنمية العراق )واختصارا (DFI ) مهمة هذا الصندوق في فقرة رقم ١٤ من القرار هي ضمان استخدام الصندوق بشفافية عالية لاستيفاء حاجات الشعب العراقي واعادة بناء الاقتصاد واصلاح البنى التحتية ودفع مصاريف موظفي سلطة الائتلاف ،
ولضمان ذلك فان ايرادات العراق من النفط والغاز واي موارد مالية اخرى يجب ان تذهب للصندوق مع استقطاع نسبة ال ٥٪ لصندوق التعويضات الذي تشكل بقرار مجلس الامن رقم (٦٧٨ ) عام ١٩٩١
اي بمعنى ٩٥ ٪ من ايرادات العراق تحت حماية هذا الصندوق
بمعنى ان القرار الاممي اراد حماية اموال العراق من الضياع والسرقة والتهريب من قبل القوات المحتلة ( الامريكية ،البريطانية والاسترالية ) والزم به سلطة الائتلاف الموقتة ممثلة بمدير ادارة السلطة ( بول بريمر ) بضرورة اصدار التشريع الذي ينشئ هذا الصندوق ( باعتبار ان المدير الاداري يتمتع بصلاحيات السلطة التشريعية والتنفيذية معا )وهو ما ادى فعلا الى اصدار امر سلطة الائتلاف رقم (٢) لعام ٢٠٠٣ وهو بمثابة قانون داخلي واجب التنفيذ وجاء الامر استنادا للقرار رقم ١٤٨٣ والذي لم يحدد الجهة او الموسسة المالية التي يتم التعامل معها لمراقبة وتدقيق والاشراف والمتابعة لحركة المال
وتضمن االامر تسعة اجزاء تتعلق بتنظيم هذا الصندوق وادارته ومتابعته وطريقة حله ايضا
واشار الجزء الثاني منه ان مدير السلطة هو من يملك صلاحية السيطرة والاشراف والادارة والاستخدام
وهو من حدد جهة بنك الاحتياط الفيدرالي كمؤسسة مالية تقوم بمتابعة وتدقيق الايرادات والانفاقات استنادا للشروط والاحكام القياسية السارية لدى بنك الاحتياط الفيديرالي كما ورد ذلك في القسم الخامس من الامر
نود هنا ان نشير بان قرار مجلس الامن رقم ١٤٨٣ الذي اشار الى تشكيل صندوق التنمية جاء لحماية الاموال العراقية من القوات المحتلة واشار صراحة في ديباجة القرار بان هذا الاجراء لحماية اموال العراق الى حين تشكيل حكومة عراقية من الشعب العراقي ومعترف بها دوليا
بمعنى ان تشكيل الصندوق هو اجراء موقت ينتهي بتشكيل حكومة عراقية وقد تم ذلك في حزيران ٢٠٠٤ حين تم تسليم السيادة والسلطة للحكومة الموقتة وحلت الادارة المدنية لسلطة الائتلاف
وبما انه صلاحيات مدير سلطة الائتلاف كافةتنتقل لرئيس وزراء العراق استنادا للأمر ( ١٠٠) فهذا يعني ان ادارة الصندوق بكل تفاصيله تنتقل لرئيس وزراء العراق
وكان يفترض بالجانب العراقي دراسة واقع صندوق التنمية بشكل جدي لانه اجراء موقت ولحماية اموال العراق من المحتل وعلى تعاقب الحكومات تم تمديد وجود هذا الصندوق والذي كان من المفترض ان ينتهي بمجرد انتهاء سلطة الائتلاف وعلى رئيس الحكومة ان يحل هذا الصندوق استنادا للجزء التاسع من الامر الذي نص على ان لمدير سلطة الائتلاف الصلاحية بحل هذا الصندوق
لم يكن هذا الموضوع يشغل بال الكثيرين بالسلطة او خارجها من الشعب لذلك خضعت للاسف السلطة العراقية لايهام الجانب الامريكي بان اموال العراق ستنهب ويتم الحجز عليها من الدائنين اذا تم حل الصندوق وانهاء التفاهم مع بنك الاحتياط الفيديرالي
علما ان ديون التعويضات حسابها خاص بصندوق التعويضات وتم استكمالها تماما في كانون الاول ٢٠٢١
وديون العراق الاخرى تم اطفاء ٨٠٪ منها في نادي باريس
والديون المتبقية حاليا لا تصل الى (٣٠) مليار دولار وهي بمعظمها ديون عن قروض وهي معلومة الكم والكيفية والتوقيت في الدفع
وان الحجز على الاموال لم يكن ولن يكون بالسهولة التي تصل حد ( الفرهود )
لذلك كان يفترض بالحكومات المتعاقبة ان تنهي هذا الصندوق الذي ظل العمل سار بموجبه الى عام ٢٠١٣ حيث تم تغيير اسمه فقط ليصبح صندوق رقم (٢) بذات التشكيل وبذات الاجراءات والاليات والشروط بناءا على مذكرات تفاهم بين البنك المركزي وبنك الاحتياط الفيديرالي
بعد هذه المقدمة المطولة يرد هنا تساؤل مهم ، هل ان العراق يعي خطورة ان يرهن حركة ماله وايراداته وحياته الاقتصادية ببنك تابع لدولة ان لم نقل عنها انها عدو فهي باقل التقديرات طرف غير موثوق وغير حيادي ومتورط باوضاع العراق ؟!!!! وبالشروط البنكية القياسية السارية للفيديرالي التي فرضها واقع الاحتلال !!! وما هي الغاية من ان يضع العراق كل ايراداته النفطية وغير النفطية تحت تدقيق واشراف الفيدرالي الذي سيكون مطلع ومتحكم بكل الواقع المالي والاقتصادي للعراق باشخاصه الطبيعيين والمعنويين وبامواله النقدية والعينية واستثماراته بكل القطاعات وهذا يعني التحكم بالواقع الامني والسياسي والاجتماعي بل حتى الثقافي ؟!!!!!! هل ان السيطرة على الاموال من التهريب ( علما ان هناك اكثر من بديل لحل هذه المشكلة )غاية تعلو على كل ما يتعرض له البلد من هزات اقتصادية وعدم استقرار وانهيار لا سمح الله ؟!!!!! علما ان كل الدول حتى المستقرة منها بما فيها امريكا لا يمكن اطلاقا ان تسمح بان تكون حركة اموالها معلومة من حيث الجهة والفئة المستهدفة والفئة المستفيدة لان الامن الاقتصادي يعني امن الدولة بكل قطاعاته الاخرى ،فكيف الحال بدولة مثل العراق بوضعه المعقد امنيا وعسكريا وسياسيا واقتصاديا !!!
وازمة الدولار اليوم ما هي الا خطوة ضئيلة بالقياس الى الكثير والعديد من الخطوات الاكثر قساوة والاوسع تاثيرا
لذلك لا منطقيا ولا عقلائنيا يتم القبول على رهن العراق وتكبيله باليات وشروط ترضخه وتقيده وترهنه للادارة الامريكية وسياساتها
وطبيعي جدا ان وضع الامريكان له ظرفه الخاص بحكم قانون القوة الا ان معالجة الامور بشكلٍ يخلص العراق من هذه الهيمنة التي ستضعف العراق لاقصى حد ان لم تنهيه بالتقسيم امر لابد منه ، وان تفعيل الاتفاقية الاستراتيجية امر بديل عن ذلك امر مقبول منطقيا
فالصندوق الاول والثاني جاء بقرار داخلي عراقي
وان انهائهما ينبغي ان يكون بقرار عراقي
الهيمنة الامريكية على اموال العراق تعني ان العراق تحت الاحتلال الاخطر
د منال فنجان