بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
أندهش العلماء عندما سمعوا إشارات راديوية صادرة من جرم يسبح في الفضاء الفسيح، ويبعد عن الأرض 4000 سنة ضوئية. تكررت الإشارة نفسها كل 18 دقيقة، فأصيبوا بالذهول من هول الصدمة. .
ولكي نضعكم في الصورة، نذكر ان السنة الضوئية الواحدة تساوي 10108 سنة أرضية تقريبا، وبالتالي فإن 4000 سنة ضوئية تساوي 40432000 سنة أرضية. وهذا يعني أن الإشارات انطلقت من ذلك الجرم السماوي قبل ولادتنا بأكثر من 40 مليون سنة، لكنها وصلتنا الآن. .
كانت عالمة الفيزياء ناتاشا هيرلي ووكر (Natasha Hurley-Walker) أول من سمعها، بمعدل ثلاث مرات بالساعة، فاعتقدت انها ربما تعود لكائنات فضائية ذكية تعيش بين المجرات في مكان بعيد. .
تعمل ناتاشا وفريقها في مرصد جامعة كيرتن (Curtin University) بأستراليا، ولها ارتباط بالمركز الدولي لأبحاث علم الفلك الراديوي (ICRAR)، وتتمحور اهتماماتها حول رسم خرائط الموجات الراديوية القادمة من أعماق الكون. .
تقول ناتاشا انها شعرت بالإحباط بادئ الأمر لأنها اعتقدت في الوهلة الأولى أن الإشارات ولدت من تداخل الترددات، لكنها اكتشفت فيما بعد انها تنبعث من المصدر نفسه كل 18 دقيقة وبنفس التردد، فأصبحت على قناعة تامة ان ما تراه وتسمعه يمثل حالة نادرة لم تسجلها المراصد الفلكية من قبل، وانها (أي ناتاشا) تطل الآن من خلال نافذة كونية نادرة، تسمح لها بإحراز التقدم العلمي المنشود في هذا المجال. .
كانت الإشارات تظهر وتختفي في بداية الأمر، وغير متوقعة على الإطلاق. .
شعرت ناتاشا بالخوف من المجهول بسبب الغموض الذي طغى على الحالة، فسارعت لإشراك زملاءها في مهمات الرصد والتحليل والمتابعة. .
قالت لها زميلتها: (إن الإشارات تتكرر ببطء شديد، وربما تنبعث من نجم نابض، لكنها ساطعة للغاية بالنسبة لنجم متوهج). .
فتنفست ناتاشا الصعداء بعد ساعات قليلة. وأدركت أنها أكتشفت المصدر عبر نطاق واسع من الترددات، وأدركت أيضاً إن الطاقة المطلوبة لتوليد تلك الإشارات لا يمكن أن تأتي إلا من مصدر طبيعي، وانها ليست مصطنعة، وليست كائنات فضائية (not aliens). .
يعتقد البعض أن الإشارات يمكن أن تكون صادرة من نجم نيوتروني، أو من قزم أبيض (white dwarf) يتحرك في مجال مغناطيسي فائق القوة، يُعرف أيضاً باسم النجم المغناطيسي (magnetar). .
من ناحية أخرى حقق عالم الفيزياء الفلكية بجامعة هارفارد الدكتور آفي لوب (Avi Loeb) تقدماً في البحث عن الثقوب السوداء، وهذا الدكتور من الذين يعتقدون باننا لا نعيش وحدنا في هذا الكون. ففي أواخر عام 2017 اكتشف علماء الفلك زائراً من نجم آخر يمر عبر نظامنا الشمسي، أطلقوا عليه اسم أومواموا (Oumuamua) وهي كلمة من هاواي تعني: (سنعرفه لاحقاً). .
ليس لدينا ادنى شك من أننا سنتلقى المزيد من الإشارات في المستقبل القريب. فنحن حتى الآن لا نعرف بالضبط حدود الكون، وكلما توسعت آفاقنا المعرفية نشعر اننا أصغر وأضعف مما كنا نعتقد، نحن الآن نعيش فوق جرم بحجم ذرة رمل صغيرة إذا ما قورن بالأبعاد الخرافية للمجرات العظيمة والسدوم العملاقة. لذا ترانا نصاب بالذهول عندما نتلقى إشارة شاردة، كانت سابحة منذ أكثر من 40 مليون سنة قبل ولادتنا. .
وللحديث بقية. . .