بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
لو كتب المؤلفون سيناريوهات المسلسلات التاريخية بصورتها الحقيقية لوقعت هزة فكرية وثقافية عنيفة بقوة 9000 درجة بمقياس رختر. و لاستطاع المشاهد العربي الوقوف على الحقائق المخزية والمؤلمة لمعظم الملوك والسلاطين والامراء والولاة، الذين قبحوا وجه التاريخ بما عرف عنهم من ظلم واستبداد وتعسف واستهتار وفساد وتخلف وبخل وتآمر على اقرب الناس إليهم. وذلك بعكس ما تظهره لنا المسلسلات من عدل واحسان وورع وتقوى وشجاعة وتواضع وعلم وسخاء. .
فالصورة التي نراها الآن في المسلسلات التاريخية تختلف تماما عن شخصيات الأبطال المزيفين. .
فقد اظهروا لنا الحجاج بن يوسف الثقفي بصورة القائد المؤمن الخاشع المتعبد العادل المدافع عن الاسلام والمسلمين، وهو الذي حاصر المدينة المنورة، ورجم الكعبة بالمنجنيق، وقتل الصحابة والتابعين ظلماً وعدوانا، واتصف بجميع الصفات الكريهة، والنزعات الشريرة. فقد انطوت نفسه على الخبث والشر والحقد على الناس. فالحجاج لم يعرف الاحسان والمعروف، وكان عبوساً فظاً غليظاً سيئ الخلق، تنفر منه النفوس. .
وهكذا سارت الفضائيات العربية على النهج الدرامي، الذي تبنته في تجميل صور الطغاة. في تجاهل مقصود ومتعمد لكل ما كتبه المؤرخون. .
ثم تأتي موجة القادحين والمادحين بعد كل مسلسل، ليضيفوا الرياح القوية للمهزلة، ولو كانت لدينا محاكمات تاريخية عادلة لحوكم من قدموا مسلسلات عبثت بهوية أمتنا. .
كثيرة هي المسلسلات التي انتجتها الدراما العربية، وتحتشد فيها اسئلة الشك والريبة، بسبب توجهاتها العنصرية والطائفية والقومية نحو تمجيد السلالات الأموية والعباسية والعثمانية والفاطمية والادريسية والحمدانية والمملوكية. وبالتالي سيجد المشاهد العربي نفسه مربكاً مضللاً غارقاً في الأكاذيب أمام استعراضات وهمية ضخمة لا علاقة لها بالتاريخ ولا ترتبط بالواقع. .
وقديما ارتجل شاعر العرب الكبير (الجواهري) قصيدته الرائعة عن التخبط العربي، الذي اطلق علية (طرطرا)، فقال:-
أي طرطرا تطرطري. وهللي وكبري
وطبلي لكل ما يخزي الفتى وزمري
وعطري قاذورة وبالمديح بخري
والبسي الغبي والاحمق ثوب عبقري
وافرغي على المخانيث دروع عنتر
طولي على كسرى، ولا تُعني بتاج قيصر
شامخة شموخ قرن الثور بين البقر
أي طرطرا
لمن؟ أ للتاريخ؟ وهو في يد المحبر
ام للمقاييس اقتضاهن اختلاف النظر؟
أن اخا طرطر من كل المقاييس بري. .
وللحديث بقية. .