بقلم: كمال فتاح حيدر ..
لو تسأل أطفال فلسطين الآن عن قضيتهم لحدثوك بما لم تحدثك به الفضائيات كلها، ولسردوا لك تفاصيل المآسي والويلات، التي مرت عليهم بالأرقام والحيثيات المؤلمة. فالشعب الفلسطيني يعرف تماماً من هو عدوه منذ عام 1948، ويعرف من استولى على أرضه، ومن هدم بيته، ومن سرق احلامه في العيش بسلام. ولو سألت أطفال العرب من طنجة إلى الفاو لقدموا لك الإجابات نفسها وبأدق التفاصيل، لكن مشايخ السوء لهم أجندات تخديرية معلنة، ولهم توجهات افيونية تسعى لتضليل الفلسطينيين، وتسعى لتوجيه بوصلتهم خارج المسارات الوطنية، وزجهم في صراعات لا مبرر لها مع شعوب أخرى كانت ولا زالت من أقوى الشعوب الداعمة لهم في الذود عن قضيتهم المصيرية. .
لقد وقع اختيار القوى الظلامية على هؤلاء المشايخ وفي مقدمتهم المتخبط (بسّام جرار)، وذلك من أجل تحقيق هدفين، أولهما إقحام الشعب الفلسطيني في أتون الصراعات الطائفية القديمة التي اكل عليها الدهر وشرب. وثانيهما: التحريض على (الجهاد) ضد الشعوب العربية والإسلامية. بمعنى آخر توريط الشعب الفلسطيني بصراعات هو في غنى عنها. .
قبل بضعة أيام سمعت محاضرة لبسّام جرار يحرض فيها ابناء فلسطين ضد الطائفة الاسماعيلية والطائفة الفاطمية والطائفة الدرزية وطائفة الحشاشين. ويخال لمن يسمعه ان هؤلاء هم الذين دنسوا المسجد الأقصى، وهم الذين استباحوا المقدسات بالطول والعرض، وهم الذين قصفوا غزة ونسفوا منازلها. وربما انطلت اللعبة على الشباب المتحمس الآن للقتال ضد الشعوب السعودية والايرانية والمصرية والعمانية. .
تابعوا الآن محاضرات هذا وغيره، وشاهدوا كيف ينفثون دخان افيونهم ليخدروا عقول الشباب بعقاقير الهلوسة الطائفية، وإشغالهم بقضايا لا وجود لها الآن على أرض الواقع. .
فقد صار الدين لعبة سياسية تحريضية، ولا غرابة في ذلك لأنه افيون الشعوب والأمم في كل زمان ومكان. .
ألا يحق لنا ان نشكك الآن بتوجهات (جرار) وبقية الأشرار ؟. ألا يحق للمواطن العربي ان يرتاب من نوايا هؤلاء وخططهم وأهدافهم وغاياتهم ومآربهم ؟. ثم لماذا اختاروا الشعب الفلسطيني لتشفير دماغه بنعرات الفتنة والكراهية في هذه المرحلة العصيبة، التي يقف فيها الشعب الفلسطيني وحده في مواجهة الظلم والاضطهاد والتعسف، وفي الوقت الذي تتعالى فيه صيحات وزير المالية الإسرائيلي المتطرف (بتسلئيل سموتريتش)، ودعواته لمحو قرية (حوارة) الفلسطينية من وجه الأرض، في حين يواصل (جرار) غاراته التضليلية ضد لبنان وإيران وتونس ومصر وسوريا والسعودية. .
نحن نعلم أن معظم شعوب الأرض لديهم قضايا ساخنة تستدعي التصدي والاستنفار، ولكن هناك المهم والأهم والأكثر أهمية، فهل اختفت مشاكل الفلسطينيين كلها حتى يخرج علينا داعية الكراهية (جرار) ليجر الناس وراءه إلى معركة غير معركتهم المصيرية ؟. .
هناك حقوق تطالب بها الآن القبائل الأمازيغية شمال إفريقيا، فهل نرسل اليهم من يحدثهم عن أسباب جفاف نهر الفرات حتى يطمئنوا لمستقبلهم المجهول ؟. وهناك حقوق تطالب بها القوميات المهمشة في البلدان العربية فهل نشتت أذهانهم بالحديث عن أسباب زوال الدولة الإسلامية في الأندلس ؟. انه أمر محير والله، ويرسم مليون علامة أستفهام حول عمالة هؤلاء وخبثهم وتنصلهم عن واجباتهم الحقيقية . .
وللحديث بقية. . .