بقلم فالح حسون الدراجي ..
بعد ثلاثة ايام، يصبح عمر الحزب الشيوعي العراقي تسعة وثمانين عاماً، وبعدها بيوم يضع قدمه في جادة التسعين.. وصولاً الى المئوية، بقوة الشعب وعزم المناضلين..
وكالعادة، فقد أقامت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في الاسبوع الماضي، حفلاً خطابياً وفنياً مميزاً في قاعة صلاح الدين / فندق فلسطين ميريديان، حضره جمهور كبير من أعضاء واصدقاء ومحبي الحزب، يتقدمهم مستشار الامن القومي السيد قاسم الأعرجي، وممثل عن رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، مع برقية تهنئة وباقة ورد، فضلاً عن حضور ممثل عن السيد مسعود بارزاني مع باقة ورد ايضاً.. في حين غاب عن هذه الفعالية الوطنية، رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.. وللأسف لم يغب السوداني بشخصه فحسب، إنما غاب غياباً شاملاً وكاملاً، فلا حضور لمستشار من مستشاريه (الخمسين) أناب عنه، ولا برقية تهنئة، او باقة ورد وصلت منه! كما سلك رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، ذات سلوك زميله السوداني .. إذ لم يبعث حتى بطاقة تهنئة في عيد ميلاد عميد الاحزاب الوطنية.. لذلك لم يكن غريباً، أن أجد احد أصدقائي التقدميين، منزعجاً من هذا الغياب (غير المبرر).. وقبل أن اسأله، سألني هو قائلاً: لماذا -برأيك- غاب هذان المسؤولان الكبيران عن حضور هذه المناسبة الوطنية المهمة، وهما اللذان لا يتأخران عن حضور فعاليات عادية، في مناسبات أقل من العادية؟!
قلت: يقيناً اننا لا نعرف، ظروف غيابهما، ولا فكرة لدينا عن سب هذا الجفاء خاصة وأن أحدهما يرأس حكومة العراق، والآخر يرأس برلمان العراق، وهما منصبان يحتمان عليهما مشاركة مناضلي العراق بهجة عيد ميلاد حزبهم الوطني.. وعليه، يتوجب أن ناخذ بالمثل الذي يطلقه اهلنا في مثل هذه الحالات، وأقصد به: (الغايب عذره وياه). فقاطعني قائلاً: ” لا حبيبي، هذي ما بيها غايب، ولا حاضر، ولا تقبل أي عذر .. أعتقد غيابهم مقصود “!
قلت: مقصود يعني شنو ؟ قال: ربما يخشيان (زعل) جهة معينة عليهما، إذا ما حضرا حفلاً في مناسبة شيوعية، لذا طبّقا قاعدة : (الباب اليجيك منه ريح سدّه واستريح) !!
ضحكت وقلت له: يا باب يا ريح .. هذا تفسيرك يحتاج الى مليون برهان لكي أصدقه انا المتحيز لكم، قبل ان يصدقه الناس المحايدون.. !
واكملت قائلاً: أنت واهم جداً ياصديقي، وتخيلك هذا ليس في محله أبداً.. خاصة وأن السياسيين العراقيين اليوم قد تخطوا عامل الخوف، وضغوط الهيمنة، حتى بات بعضهم يفعل الأعاجيب سراً وعلناً دون وجل، ويرتكب أشنع الجرائم كـ (سرقة القرن)، دون أن يرف له جفن من خوف أو (خجل)، فماذا يمنع حضور حفل، يقيمه حزب وطني نزيه شريف؟
فقال صديقي معلقاً: ربما لأنه (حزب شريف) !!
فضحكت وقلت: ربما !
لكن صديقي لم يقتنع بأجوبتي المقتضبة، وقال: أنت تعرف أن علاقات الحزب الشيوعي العراقي ممتازة مع أغلب القوى والفاعليات السياسية العراقية، وليس لديه أية مشكلة مع أي منهم، بما في ذلك الجهات التي يختلف معها آيدلوجياً وفكرياً، فالحزب الشيوعي يبحث أحياناً بالتلسكوب وليس بالعين المجردة، عن أي عامل مشترك يجمعه بالقوى السياسية العراقية، بما في ذلك احزاب الاسلام السياسي، شرط ان تكون أياديها نظيفة غير ملوثة بالدم والفساد!
قلت له: القضية ياصديقي لاتتعلق بالاسلام السياسي أو بغيره.. فالحلبوسي مثلاً لم يكن اسلامياً، بينما حضر الحفل قاسم الأعرجي وهو شخصية اسلامية معروفة، وأحد قادة منظمة بدر ، كما حضرت شخصيات سياسية اسلامية كثيرة في هذا الحفل وفي احتفالات ومناسبات سابقة للحزب الشيوعي.. وعدا مثال الأعرجي، ثمة مثال آخر أيضاً اذكره هنا ليكون شاهداً على حضور العديد من قادة الاحزاب الاسلامية لاحتفالات الحزب الشيوعي، كحضور سليم الجبوري رئيس مجلس النواب العراقي السابق، وأحد قادة الحزب الاسلامي السني، لاحتفال الحزب الشيوعي العراقي قبل سبع سنوات في قاعة سينما (سمير أميس)، والقائه كلمة عن والده، العامل الكادح، كانت مؤثرة جداً ..
كما أن الاسلامي محمود المشهداني، أحد قادة جبهة التوافق، ورئيس البرلمان الأسبق، يمتدح الشيوعيين دائماً- رغم بعض شطحاته تجاه اليسار والعلمانية احياناً-فمثلاً قال مرة في لقاء تلفزيوني اجراه معه الاعلامي نبيل جاسم : ” اعترف، أن النائبين حميد مجيد موسى ومفيد الجزائري اللذين يمثلان الحزب الشيوعي العراقي في البرلمان العراقي، أنزه وأصدق البرلمانيين العراقيين، وأكثرهم إخلاصاً في العمل وتقديم المفيد في نقاشاتهما وحواراتهما التي كانا يساهمان فيها أثناء جلسات البرلمان،إنهما مثال حقيقي في الوطنية والأخلاق والشرف”..
وقبل المشهداني كان الزعيم الوطني (المعمم) والشخصية الشيعية الفذة جعفر أبو التمن يرد على متهمين اياه بتأييد الشيوعية قائلاً: ” مادامت الشيوعية تسعى لترفيه الفقير ومساعدة المحتاج وتنظيم المجتمع بشكل مفيد، فأنا أؤيدها ومعها”.
إذن، فالقضية لا تتعلق سوى بذات الشخص، وليس بغيرها..
وهنا أراد صديقي ان يقاطعني، لكني استأذنته لاكمل حديثي، وقلت: دعني أتحدث لك بصراحة دفاعاً عن الحقيقة لا غير.. ثمة سياسيون اسلاميون، يقرؤون مقالاتي الشيوعية بمودة- فيبعثون لي باعجابهم وتعليقاتهم، أو يباركون لي احياناً الأعياد والمناسبات التي يحتفل بها الشيوعيون، بحب وطيب خاطر .. ومن هؤلاء النائب الصدري السابق جمعة ديوان ..
لكن صديقي قال لي: أرجو أن تحدثني عن مسؤولين حكوميين، وعن زعماء سياسيين، وليس عن نائب هو (صديق لك)، مع جل احترامي لهذا النائب المحترم!
قلت له: لك الحق..
قبل تسع سنوات زرت زعيم حزب الدعوة نوري المالكي بصحبة النائب عن (دولة القانون) كامل الزيدي، وقد كنت أشتغل وقتها على دراسة موسعة عن العملية الجريئة التي نفذها عدد من الشباب الأبطال في المنصور قبل 27 عاماً، واصطادوا فيها الطاغية عدي صدام. وفي ذلك اللقاء أوضح المالكي نقاطاً مهمة عن تلك العملية الباسلة .. وقبل أن أغادره، سألني أبو اسراء قائلاً: شلون الأخوة الشيوعيين؟
فقلت له: بخير (حجي)!
فقال المالكي: ساقول لك امراً ربما لم أقله من قبل: أنا احترم جداً الشيوعيين العراقيين، وأثق بهم جداً، ويوم اردت دخول العراق عن طريق كردستان، أثناء سقوط نظام صدام، لم أثق بأحد في نقلي للداخل غير مفرزة الشيوعيين..
وقد دخلت فعلاً بحماية وصحبة الشيوعي الشجاع “حيدر فيللي” ومفرزته !
فقلت للمالكي: افتخر ان المناضل حيدر فيللي كان مسؤولي في الحزب يوماً ما في عقد السبعينيات!
وهنا قاطعني صديقي قائلاً: أحقاً قال المالكي هكذا، وهل أنت متأكد من هذه الشهادة؟
قلت:طبعاً طبعاً، فالمالكي والزيدي حيّان يرزقان!
في الجانب الاسلامي ذاته، يحضر بقوة الموقف الايجابي للسيد مقتدى الصدر من الحزب الشيوعي العراقي، وهو الموقف الأكثر وضوحاً وجراة من غيره، بعد أن ترجم هذا الموقف الى فعل شجاع، هزّ به الوسط السياسي بقوة، وأقصد به تحالفه مع الشيوعيين تحت عنوان( تحالف سائرون للاصلاح)!
ثم أكملت حديثي قائلاً: اما عن الرؤساء المدنيين، فسأحكي لك عن علاقة مصطفى الكاظمي بالحزب الشيوعي العراقي،
وبعيداً عن رأيك ورأيي بالرجل، إلاٌ أن كلمة الحق يجب ان تقال للتاريخ، فقد اتصل بي الكاظمي ذات يوم- ليقول لي: أبو حسون آني اعرف علاقتك ممتازة بالحزب الشيوعي، أريدك ترتب لي لقاء سريعاً معهم!
قلت له: ممكن اعرف شتريد في هذا اللقاء ؟ فقال: اريد أن استشيرهم في قضايا كثيرة تخص الدولة، فالرئيس الذي لا يستشير الحزب الشيوعي في إدارة شؤون بلاده لا يصلح للمنصب..
وفعلاً، اتصلت بالرفيق جاسم الحلفي عضو المكتب السياسي للحزب – آنذاك- وقد كان أبو احلام خارج العراق وقتها.. فاتصلت بالرفيق حجاز بهيه عضو اللجنة المركزية للحزب، واخبرته بالموضوع.. فتحقق الاجتماع بين الكاظمي وسكرتير الحزب الرفيق رائد فهمي .. وقد علمت أن قيادة الحزب أبدت الكثير من الملاحظات والاشارات والنصائح حول سياسة الحكومة.. لكن ..!