بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
مرت علينا قبل بضعة أيام الذكرى السادسة والعشرين لفاجعة أم الغزلان، أو واقعة الزورة، و (الزورة) مفردة عراقية دارجة تعني الزوراء، لكنها تختلف عن الزوراء التي خاض فيها صفي الدين الحلي معركته في مواجهة فلول التتار، عندما ذكرها بقوله:
يا يوم وقعة زوراء العراق وقد
دِنّا الأعادي كما كانوا يَدينونا
فالزورة التي نتحدث عنها من ضواحي ناحية الدوّاية في محافظة ذي قار، وعلى وجه التحديد في قرية فقيرة يقال لها (أم الغزلان) على أطراف هور (الغموگة). .
وقعت المجزرة مساء يوم 27 من آذار من عام 1997، حيث كان رجال عشيرة (الچوامل) من بني سعيد يعدون العدة لإقامة حفل زفاف أبنهم، الذي سقط مضرجاً بدمه في ذلك اليوم المشؤوم، في غارة مباغته شنها أزلام النظام لألقاء القبض على بعض المدعويين، بذريعة انهم مطلوبين، فأنكر أبناء القرية وجودهم، وهنا قامت المجموعة المداهمة بإطلاق النيران لإخافة القرية، فاصابوا العريس وذويه، وثارت ثائرة رجال القرية للذود عن كرامتهم وهيبتهم، فاستدعى المهاجمون قواتهم من الناصرية للهجوم على القرية من كل المحاور، فهدموا البيوت بالقاذفات، واضرموا النيران في الحقول والمزارع، وأشاعوا الرعب، وارتكبوا الفواحش بدم بارد، ثم جاءت قوة من بغداد يقودها (قصي) بعد أربعة أيام، فتحولت القرية على يده إلى رماد، وشرع بعد ذلك بمداهمة القرى الأخرى بالجرافات والمصفحات والآليات الحربية، وكان معه جمع غفير من الجنود ورجال الأمن والمرتزقة، فقتلوا كبار السن، واعتقلوا الشباب، وعذبوهم، وعبثوا في المنطقة التي تحولت إلى مسرح مفتوح لأبشع الجرائم. .
وشاءت الاقدار ان تتكرر مأساة الزوراء في مواجهة التتار، ويعاد تكرارها على أرض (الزورة) بمأساة ارتكبتها شراذم سارت على نهج التتار. .
لكن المؤلم بالأمر ان واقعة أم الغزلان طواها النسيان، ولم يتذكرها رفاق الأمس، بسبب انشغالهم في لعبة المحاصصة، واهتمامهم في البحث عن المكاسب والمناصب، وفي الصراع ضد بعضهم البعض، وانشغال بعضهم بمطاردة الناجين من تلك المجزرة، وإلصاق الاتهامات بهم ظلما وعدوانا. .
لو بحثنا الآن عن الصفحات المكتوبة عن هذه المجزرة، لم نجد سوى فيلم وثائقي يعود لعام 2015 من اعداد عبدالحسين الساعدي، وحديث مصور في العام الماضي على منصة اليوتيوب. .
اللافت للنظر ان هذه القرية والقرى المجاورة لها تعرضت في صيف عام 2020 إلى مداهمات واسعة اشتركت فيها قيادة عمليات سومر، وجهاز مكافحة الإرهاب، وفوج من شرطة ذي قار، وفوج من لواء المغاوير، وجرت عملية المداهمة بإسناد من طيران الجيش، وبالتزامن مع خروج اللواء الرابع بالرد السريع على الحدود الفاصلة مع محافظة ميسان. .
كان أبناء هذه القرية يتطلعون إلى اليوم الذي تُعاد فيه حقوقهم المهدورة فاصبحوا هدفاً أزليا للغارات والمداهمات من كل الحكومات. .