بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
أغرب ما شهدته الانظمة الجمهورية العربية انها وقعت في قبضة العسكر منذ إنقلاب 23 يوليو 1952، الذي قاده تنظيم الضباط الأحرار في مصر، فتغيرت أنظمة الحكم مُذَّاكَ، وظهرت علينا دفعات متوالية من الزعماء العرب بالبدلات الميرية. وتباينت رتبهم الحربية بين عقيد وعميد ومهيب ومشير، ولكل بلد مجلسه الخاص لقيادة الثورة، وللمجلس الحق بسن التشريعات وإصدار القوانين كيفما يشاء. .
بدأ الحكم العسكري في مصر بقيادة اللواء محمد نجيب (1953 – 1954)، ثم تولى الحكم العسكري من بعده جمال عبد الناصر (1956 – 1970)، وجاء من بعده محمد انور السادات (1970 – 1981)، ومن بعده محمد حسني مبارك (1981 – 2011)، ثم جاء من بعده الرئيس محمد محمد مرسي وهو استاذ جامعي فحكم مدة وجيزة (2012 – 2013)، ثم عاد الحكم ثانية إلى العسكر عام 2014 على يد المشير الركن عبد الفتاح السيسي، وهو الرئيس الحالي لمصر. .
وفي العراق قاد الانقلاب العسكري عبد الكريم قاسم عام 1958 وكان برتبة عميد (زعيم)، وجاء من بعده المشير الركن عبد السلام محمد عارف (1963 – 1966)، وجاء من بعده شقيقه الفريق عبد الرحمن محمد عارف (1966 – 1968)، وجاء من بعده المهيب احمد حسن البكر (1968 – 1979)، ثم جاء من بعده صدام حسين برتبة عسكرية مُنتحلة (مهيب ركن) منحها هو لنفسه، فحكم للمدة من 1979 لغاية 2003 وشهد العراق على يده سلسلة من الحروب الخاسرة والانهيارات المتلاحقة. .
وفي السودان أرسى المشير جعفر محمد النميري قواعد الحكم العسكري للمدة (1969 – 1985)، ثم جاء من بعده المشير عبد الرحمن سوار الذهب (1985 – 1986)، واستلم الحكم من بعده احمد الميرغني للمدة (1986 – 1989) وهو غير عسكري، ثم عاد الحكم إلى العسكر على يد المشير عمر البشير (1989 – 2019)، ثم جاء من بعده المشير بعد الفتاح البرهان، وهو الذي يحكم السودان الآن. .
اما في ليبيا فقد استلم حكمها العقيد القذافي منذ عام 1969 وحتى عام 2011، ثم تدهورت احوالها بعد مقتله، فتصدى لها المشير خليفة حفتر، وهو الآن يخوض معاركه الداخلية للاستيلاء عليها. .
وهكذا هيمنت مجاميع صغيرة من الضباط على الحكم، فاقتنصوا السلطة، وتلاعبوا بمفاصل الدولة دون ادنى خبرة، وظلت معظم البلدان العربية في سوريا ومصر والجزائر وليبيا والعراق والسودان واليمن ترزح حتى الآن تحت حكم العسكر، فغابت السياسة، وتقهقرت مؤشرات مشاريع التنمية، وتصاعدت مؤشرات القمع والاستبداد، وتوسعت السجون والمعتقلات، وتحولت الأرض إلى مقبرة للاحرار والعقلاء، وتسيد علينا أصحاب البدلات الميرية بأوسمتهم ونياشينهم وألقابهم الحربية ولم يعد لدينا أدنى أمل بتحسن احوالنا نحو الأفضل . .