بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
بلغت البصرة أوج عظمتها التجارية والزراعية في منتصف القرن الثامن عشر وما بعده، فكانت قبلة لأبناء نجد الذين كانوا يواجهون أسوأ مواسم القحط والجدب والجفاف، فشدوا الرحال صوب مدينة البصرة التي فتحت لهم قلبها ومرافئها وضفاف أنهارها العذبة، وكان النجديون يتمتعون بالحرية المطلقة في مزاولة الزراعة والتجارة، فتوزعوا بين حاضنتين، هما: مدينة الزبير، ومدينة ابو الخصيب وضواحيها. وربما كانت مدينة الزبير هي الحاضنة الأكبر، والأقرب إلى طرق التجارة مع نجد والحجاز والكويت قبل تأسيس الملكة العربية السعودية. ومعظمهم يحملون الآن الجنسية العراقية إضافة إلى جنسيتهم السعودية، وظلت علاقاتهم طيبة وعميقة وقوية بالعراق، ولهم في البصرة مزارع وبساتين وأسواق وقصور وممتلكات. لكن المؤسف له ان الفضائيات الخليجية التي تحدثت عن تاريخ مدينة الزبير تجاهلت كل ما يربط هذه المدينة بالعراق والعراقيين، وتجاهلت دور البصرة وأهلها في التعامل الطيب مع أشقاءهم المهاجرين إليها من نجد. .
قبل بضعة أيام كنت أشاهد حلقة من برنامج (مالكم بالطويلة) الذي يقدمه الاعلامي مالك الروقي على قناة mbc، كانت الحلقة بعنوان: (قصة المدينة التي بناها النجديون) تطرق فيها مقدم البرنامج إلى كل شيء عن مدينة الزبير، لكنه تجنب ذكر البصرة، واهمل دورها في احتضان القادمين من الجزيرة العربية، وتحدث عن مدينة الزبير وكأنها ظهرت في اللا مكان، في رقعة جغرافية مجهولة وخالية تماماً من البشر، بل انه لم يذكر فضل العراق الذي تحولت فيه مدينة الزبير إلى قلعة من قلاع العلوم والفنون والآداب، وأصبحت واجهة لا يُستهان بها من واجهات البصرة. .
لا شك ان الاعلامي (مالك الروقي) كان يعلم علم اليقين بإيجابيات الدور العراقي الذي لعبه ابناء البصرة في توفير مستلزمات البقاء والعيش الرغيد للوافدين إليها من نجد والحجاز، والذين ساهموا في نهضتها الزراعية والتجارية والصناعية والعمرانية، لكن هذا الإعلامي تعمد طمس اسم العراق واسم البصرة، وتجاهل اهلها متجنبا ذكرهم ولو بالإشارة. وهذه ليست المرة الأولى، فقدت تعمدت الفضائيات الخليجية تهميش دور البصرة عند الحديث عن مدينة الزبير. .
ختاماً: يحق لنا ان نفاخر الدنيا بمواقفنا الاخوية الرائعة، التي لن يقدروا على حذفها وشطبها من ذاكرة التاريخ. ولا يهمنا سواء راق حديثنا للروقي أو لم يرق له، فالبصرة عين العراق وخزانة العرب وأم الدنيا. .
وللحديث بقية. . .