بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
هذه صورة من صور غياب الوعي العربي في هذا الزمن الذي انشغل فيه الإعلام من طنجة إلى الفاو في الحديث عن القطة التي تسلقت ظهر القارئ الجزائري (وليد مهساس) في أحد مساجد ولاية برج بوعريريج. .
كان هذا وضع المصلين في الجزائر، أما في فلسطين فكانت مخالب القطط الضّالة والسائبة تخترق صفوف المصلين أثناء تأديتهم لصلاة التراويح في المسجد الاقصى، وتنهال عليهم في هجوم مسلح أصيب فيه عشرات المعتكفين بالاختناق، عقب اقتحام جنود الاحتلال المصلى القبلي، وإطلاقهم الرصاص المعدني المغلف بالمطاط وقنابل الغاز السام. .
لم تتفاعل منصات التواصل مع الفاجعة مثلما تفاعلت مع حكاية القطة التي أكلت عقولهم، وصارت عندهم من المعجزات، فتشتت الأذهان بين متابعة أخبارها، وبين متابعة الاهداف الثلاثة المسجلة بأقدام الجزائري كريم بن زيما بمرمى برشلونة في مباريات نقلتها الفضائيات العربية أثناء تعرض المسجد الاقصى للعدوان الوحشي السافر. .
كانت صورة مؤسفة تعكس تردي مستوى الوعي العربي. واللافت للنظر ان بسام جرار الذي كان يشغل الشباب بمناقشات طائفية تافهة لا تمت للقضية الفلسطينية بصلة، اختفى صوته تماماً في الأيام التي كان فيها المسجد الاقصى يتعرض لهجوم كاسح بالذخيرة الحية، فالمهمة المكلف بها هذا الرجل تقضي بتحويل أنظار الناس نحو الاباضية والزيدية والشيعة والاسماعيلية والطوائف الاسلامية الاخرى في سلطنة عمان وافغانستان وايران، ولا علاقة له بما يجري داخل المدن الفلسطينية. في حين ظهر لنا المتأسلف (صابر مشهور) بمقاطع من نوع آخر لتوجيه أنظار العرب خارج المشهد الفلسطيني، في مواضيع يعطر فيها قذارة الحجاج ويزيد بن معاوية، ويجدد فيها الصراعات العقيمة حول مرحلة تاريخية انقضت منذ قرون. .
فقد أنفرد كل من جرار ومشهور وعثمان الخميس وابو اسحاق الحويني في إثارة السجالات الساخنة، والاتهامات المتبادلة، وإحياء مصطلحات الفتنة من قبيل (روافض ونواصب)، والتي تستخدمها الأطراف المتنافرة في سياق الذم والقدح والانتقاص، من دون ان تتساءل الحكومات العربية عن الثمار التي سيجنيها المسلمون (على إختلاف توجهاتهم) من إشعال هذا اللون من الصراعات حول مرحلة تاريخية تعود إلى القرن الهجري الأول ؟، ولماذا لا يتجاوز المسلمون ذلك كله للانشغال بتحديات زمنهم الراهنة، ومواجهة أزمات واقعهم المستعصية ومشكلاته المعقدة ؟. .
لا شغل لهؤلاء الآن سوى الحديث عن القطة الجزائرية المسالمة، وتسخير منصة اليوتيوب لتجميل صورة رموز الدولة الدموية الذين قصفوا الكعبة المشرفة بالمنجنيق، واستباحوا المدينة المنورة ثلاثة أيام، وارتكبوا من المجازر ما لا يخطر على بال اعتى المجرمين. وذلك بقصد إلهاء الناس، وحتى يفهم الجميع أن الاحتلال هو صاحب السيادة الأول والأخير في تنفيذ قراره بالتقسيم الزماني والمكاني الفعلي، ويتعين على المسلمين عدم التواجد أو حتى الصلاة أثناء دخول اليهود للمسجد الأقصى. .
هذا ما يريده الاحتلال، وهذا ما يريده المتأسلمون والمتأسلفون والمضللون وأصحاب العقول المشفرة. .