بقلم: كمال فتاح حيدر ..
رسم الملاحون خرائط المسطحات المائية لكل البحار والمحيطات، فجاءت رسوماتهم معززة بالعلامات والإشارات الساحلية، وبمنتهى الدقة، وبخطوط الطول والعرض. وظلت خرائطهم تتجدد كل عام بطبعات تنقحها وتوزعها الادميرالية البريطانية. .
لكن العاملين في البحر لم يكتشفوا هذا القطب البحري إلا عام 1992، وجاء اكتشافه على يد مهندس كندي من أصل كرواتي لم يسبق له العمل في البحر، اسمه (هرفوجي لوكاتيلا)، اكتشفه وهو في مكتبه عن طريق اجهزة الرصد والاستمكان من دون ان يشد إليه الرحال، فأطلق عليه اسم: نقطة نيمو، أو Point Nemo. ومفردة (Nemo) تعني (لا أحد) باللغة اللاتينية. ومنهم من يطلق على هذه النقطة: المكان المجهول the middle of nowhere، أو مقبرة المركبات الفضائية لأسباب سنذكرها هنا، ويسمونها أيضاً: القطب المحيطي الذي يتعذر الوصول إليه ( The oceanic pole of inaccessibility). .
نستدل على موقع هذه النقطة بالاحداثيات:-
- خط عرض 48° 52.6′ جنوباً.
- وخط طول 123° 23.6′ غرباً.
وهذه النقطة محاطة بأكثر من 1600 كيلومتر من مياه المحيط في كل إتجاه. وموقعها معزول تماماً، وإن أقرب أرض مأهولة تبعد عنها حوالي 2700 كيلومتر، وهذا يجعل من رواد الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية (الذين يبعدون 330 كيلومتر فقط عن هذه النقطة) هم الأقرب إليها. .
عندما نقول أنها معزولة فاننا نقصد أنها الأشد عزلة في كوكب الأرض، حيث لا توجد فيها تغطية هاتفية ولا توجد مواصلات، ولا تمر بها خطوط الشحن البحري، ولا يرتادها البشر، حتى الثروة السمكية تكاد تكون معدومة فيها باستثناء بعض الهائمات والقواقع النادرة، اما تياراتها فهي تجري في دوامات دائرية. وكانت أول بعثة علمية وصلت اليها عام 1997. حيث فوجئ العلماء بسماع أعلى الأصوات المسجلة تحت الماء، وقد تم التقاط الصوت من مسافات بعيدة جداً بواسطة ميكروفونات تحت الماء. وأطلق العلماء على هذا الصوت اسم: (بلوب The Bloop) أي القرقعة، وربما كان ناجماً عن كائنات بحرية مجهولة، أو عن تصدع الجبال الجليدية. .
الميزة الاخرى لهذه المنطقة انها أصبحت مقبرة للاقمار الصناعية المستهلكة والمركبات الفضائية المنتهية صلاحيتها، ويعزا اختيارها لهذا الغرض لأنها خالية تماماً من الكائنات الحية، وبعيدة جداً عن قوافل السفن البحرية، ولا يمكن للاقمار الساقطة الحاق أي أضرار بيئية في المنطقة. وقد تم إغراق 260 قطعة فضائية حتى الآن وجميعها مدفونة في أعماق تلك المنطقة النائية. وبالتالي فانها أصبحت محظورة ومحفوفة بالمخاطر، لأن الاقمار الصناعية تتساقط عليها دونما سابق إنذار، ومن غير المستبعد ان تتحول إلى مساحة مفتوحة لاختبارات الصواريخ البالستية. لكن الثابت لدينا انها كانت المنطقة الأنظف في العالم لخلوها من الملوثات لكنها الآن تعج بالنفايات المتساقطة عليها من المدارات المخصصة للأقمار الصناعية . .
وفي المكتبة العالمية عشرات المؤلفات التي تناولت هذه المنطقة من شتى الزوايا العلمية والأدبية. نذكر منها:- - كتاب (Point Nemo) وهو عبارة عن رواية من تأليف ( CJ Laity)، صدرت عام 2011 باللغة الانجليزية. .
- كتاب (Island of Point Nemo) وهو من تأليف (Jean-Marie Blas de Roblès) من اصدارات عام 2017 باللغة الانجليزية. .
- كتاب (Point Nemo) من تأليف (David Mana) وهي رواية قصيرة من اصدارات عام 2019. .
- كتاب (Point Nemo) من تاليف (Philippe Tessier) باللغة الفرنسية، من اصدارات عام 2021. .
- كتاب (POINT NEMO) من تأليف (Andy Briggs) وهو كاتب سيناريو، وروائي مصور، ومؤلف وناشط في مجال الحفاظ على البيئة. وقد صدر كتابه هذا عام 2022. .
- كتاب (Point Nemo) وهو باللغة الفرنسية من تأليف (Jean-Michel Bernard)، من اصدارات عام 2022. .
ولكل كاتب من هؤلاء نظرته العلمية أو الادبية أو السياسية المرتبطة بهذه المنطقة التي يكتنف مستقبلها الغموض. .