بقلم : د. مظهر محمد صالح ..
عُد بيت ضيافة الرئيس الامريكي واحداً من اهم المقرات المختلفة المملوكة لحكومة الولايات المتحدة لتستخدم من قبل الرئيس ونائب الرئيس إضافة الى المقرات الأخرى مثل البيت الابيض وكامب ديفيد وغيرهما ، اذ يطلق على بلير هاوس Blair house بيت ضيافة الرئيس “الفندق الأكثر تميزاً في العالم” لأنه يستخدم أساساً لاستضافة الزوار من كبار الشخصيات والضيوف الآخرين للرئيس.
ومن أشهر الضيوف الذين أقاموا في بيت ضيافة الرئيس هم ،مولوتوف وزير خارجية ستالين وملكة بريطانيا الراحلة اليزابيث وامبراطور اليابان اكهيتو،والرئيس شارل ديغول والرئيس ميتران ، والرئيس بوتن وماركريت تاتشر، ورئيس وزراء العراق الاسبق حيدر العبادي..وشخصيات من العالم اجمع .
سبق ان حللت شخصيا في بلير هوس
Blair house دار ضيافة البيت الابيض عام 2015 ضيفا على حكومة الولايات المتحدة الامريكية ضمن وفد رسمي برئاسه رئيس وزراء العراق ، وأطلعني يومها مدير التشريفات في دار الضيافة المذكور على السجل الذي ضم تواقيع زيارات امراء واميرات بما فيهم اليزابيث عندما كانت اميرة بريطانيا في اربعينيات القرن الماضي. وكان السجل مخصص لزيارات شخصيات تاريخية خلال اربعينيات القرن الماضي حقا ،فالاول ،هي زيارة الامير فيصل ابن عبد العزيز ال السعود الى الولايات المتحدة يوم وقع في السجل المذكور بكونه ضيف شرف ،وكان موظف التشريفات في البيت الابيض ،وهو يستعرض لي بنفسه تلك الصفحات القديمة من سجله ، متصوراً انه توقيع المرحوم فيصل الثاني ملك العراق فاجبته من فوري انه توقيع الامير فيصل السعود ، فاستدرك الرجل ذلك السهو وقلب سجل الزيارات واتضح ان الزائر هو الامير عبد الاله ،الوصي على عرش المملكة العراقية في اربعينيات القرن الماضي ايضا و ان زيارته الى الولايات المتحدة كانت ربما في العام 1948 او 1949 اذ وقع الوصي الامير عبد الاله تحت اسمه في السجل باسم الوصاية العراقية The regency of Iraq كما وقع معه عدد من الشخصيات العراقية المرافقة للامير عبد الاله.
تم تجديد البيت الابيض في العام 1948 يوم اشارت التقارير الهندسية الى ان مقر الرئيس قد اصبح متهالكاً بعد مرور 130 عاماً على تشييده ما اضطر الرئيس ترومان الى ان يأخذ الجناح الجنوبي من (منزل بلير) المجاور للبيت الابيض.
فعلى سبيل المصادفة الموضوعية اصطحبني مضيفي في منزل بلير هاوس Blair House نفسه في ربيع العام 2015 بعد ان عرف اني انتمى الى حقل العلوم الاقتصادية لكي يطلعني على الجناح الجنوبي الذي ضم غرفة الرئيس ترومان، وقد تمعنت حينها بالنظر الى الطاولة القديمة اللامعة التي شغلها الرئيس واستطردت في سري قائلا: «هنا جرى التفريق حقاً بين الركود والكساد ااقتصادي»..!!!
ففي الجناح الجنوبي من منزل بلير Blair House اتخذ الرئيس هاري ترومان، الذي امتدت ولايته بين العام 1945 والعام1953 مكتبا مؤقتاً له مجاورا للبيت الابيض، حيث سُئل يومها، ما الفرق بين الركود والكساد في الاقتصاد..؟ وهل حقا ان الركود يعني الاصابة بالزكام والكساد يعني مرضاً مزمناً طويل الاجل؟
فتبسم ترومان صامتاً في سره متسائلا قبل ان يجيب: «يخيل لي ان الامور الاقتصادية اخذت تمضي في مجرى جديد بعد ان وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها، فبعيداً عن هموم الركود الاقتصادي، عليَ ان امهد الطريق لتبتعد بلادنا عن الكساد ومشاقه في تكاثر البطالة وتدني الازدهار» .هنا انتبه الرئيس على وقع السؤال ليجيب من فوره: «الركود هو عندما يخسر جارك فرصة عمله، والكساد هو عندما تخسر انت بنفسك فرصة عملك».
والاغرب انه في نهاية الحرب العالمية الثانية وعند تولي ترومان الرئاسة ،انتقلت اميركا وعلى نحو مضطرب من اقتصاد الحرب الى اقتصاد السلام متعثرة بشيء من الركود وهو الامر الذي تزامن بتسريح جماعي للجنود القدامى، فضلا عن التباطؤ الذي شهدته مصانع السلاح وتسريحها لآلاف العمال. وبهذا اشتدت مخاوف الرئيس من ان تنزلق البلاد الى الكساد الاقتصادي ليكون مماثلا للكساد العظيم في العام 1929.
تركت بلير هوس وفي طريق عودتي الى بلدي وبقيت افكر كيف تتخلص بلادي من الركود الاقتصادي وتنتصر في حربها ضد الارهاب الداعشي وهي مازالت وقت ذاك تعيش ازمة مزدوجة مالية وامنية حادة … !! فعلى مدار الساعات الطيران الطويلة بين واشنطن وبغداد ظلت مفكرة عقلي تتداول تفسير ظاهرة الركود الاقتصادي الذي يعني تدهورا في نمو الناتج المحلي الاجمالي ويمتد لفصلين متعاقبين، الامر الذي يدعو البنوك المركزية الى خفض الفائدة لتحفيز الطلب على السلع والخدمات والاستثمارات معا،ً ومن ثم تحفيز النمو وخفض مستويات البطالة.في حين يصل الاقتصاد الى مراحل الكساد عندما يتخطى التدهور في النمو الاقتصادي ثلاثة فصول اواكثر. اذ يؤشر الكساد هبوطاً حاداً في الانفاق الكلي والانتاج معاً. ونتيجة لذلك تهبط الارقام القياسية للسوق المالية وتنحدر الكثير من الشركات الى الافلاس، وترتفع معدلات البطالة بين العمال.
وهنا تذهب الحكومات الى تبني برامج تحفيزية من خلال توسيع مجالات الانفاق الحكومي والسماح لعرض النقد بالتوسع. ولكن يبقى اللغز لماذا سُئل الرئيس ترومان عن الفرق بين معنيي الركود والكساد؟.
يلحظ انه في نهاية الحرب العالمية الاولى التي كان ترومان (جنديا )فيها، بدأ عمله في السوق مع شريك في محل لبيع المواد المستعملة، ولكن تعرض في العام 1921 الى خسارة نجمت عن ظاهرة الركود التي ضربت البلاد آنذاك ولم يستطع ترومان تسديد ما بذمته من ديون حتى العام 1934.
ختاما،انه (الرئيس )الذي سكنت عقله في (بلير هاوس ) فكرة الركود عبر حربين عالميتين ظلت تحصد نهاياتها ركودا ًاقتصادياً عالياً .
(( انتهى)).