بقلم : فالح حسون الدراجي ..
منذ فترة ليست قصيرة، يتداول البعثيون بشكل مباشر وغير مباشر، عبر مواقعهم الإعلامية، وصفحاتهم الشخصية وما يتوفر لهم من وسائل التواصل الاجتماعي، وفي جلساتهم الخاصة أيضاً، أنباءً عن صفقة امريكية – بعثية، ستعيدهم الى سدة الحكم في العراق، وقد توسع هذا التداول، في الفترة الأخيرة حتى صار يقيناً في عقولهم، وأمراً يكاد يكون محسوماً في مخيلتهم المعطوبة.. وقد عمق هذا الإحساس لديهم تغريدات رغد ابنة المقبور صدام حسين، وحديثها الدائم عن عودة البعث القريبة للحكم، والى الوطن الذي يشيده حزب ( الجماجم والدم)، كما جاء في تغريدتها قبل شهر في ذكرى تأسيس البعث.. بل إن بعض البعثيين المساكين راح يظن أن لرغد صدام علاقات دولية واسعة، تتوفر من خلالها على معلومات مؤكدة، وأن ما تصرح به وتقوله وتكتبه، بعض مما تحصل عليه من اتصالاتها وعلاقاتها الدولية المهمة تلك..
وطبعاً فإن كل ذلك ليس أكثر من (خرط في خرط) !
والمشكلة ان البعثيين قد كذبوا، فصدقوا كذبتهم، حتى ظنوا، أو ربما تأملوا، أن تكون قصة عودتهم للحكم حقيقية، او ممكنة، رغم أنهم واثقون تماماً من استحالة تحقيق ذلك.
ولعل من بين أخبارهم المتداولة حول هذا الوهم، خبراً عن مصادر صحافية – كما يقولون – تكشف فيه النقاب عن قيام الاستخبارات الأمريكية باجراء اتصالات مع مجموعة بعثية عراقية موالية لخط عزة الدوري، ومجموعته المتخفية.
حتى أن صحيفة ‘الحياة’ اللندنية – السعودية – نقلت عن بعض هؤلاء البعثيين قولهم إن الاستخبارات الأمريكية أجرت في الفترة الماضية أكثر من اتصال، وفي أكثر من مكان، بعضها حصل في دمشق مع ممثلين لمجموعة بعثية عراقية لجأت إلى سورية بعد انهيار نظام صدام حسين.
ويرى مراقبون – والكلام لجريدة الحياة طبعاً- أن الاتصالات الأمريكية بالبعث العراقي ترمي إلى تصحيح التوازن في العراق بعدما اختل كثيراً لمصلحة إيران والقوى الموالية لها !
وأوضحت أن سوريا ستكون بمثابة الوكيل المعتمد من قبل هذه الأطراف لتنفيذ المشروع، في إطار صفقة كبرى لصياغة مستقبل منطقة المشرق العربي والخليج تمهيداً لخروج أمريكا من العراق بشكل تام، حيث ستقوم دمشق بإعادة تشكيل حزب البعث العراقي وتوحيده مع الجناح السوري للبعث، بعد أن يحصل على الشرعية القانونية، لذلك تعتقد المصادر المذكورة بأن الأجهزة السورية قد لعبت دوراً في تسهيل الاتصالات الأمريكية مع البعثيين العراقيين / جماعة الدوري مقابل قبول سوريا الأسد خليجياً، واعادة تأهيله عربياً، وعالمياً لاحقاً ..!
ألم أقل لكم إن الموضوع برمته (خرط في خرط) !
والمضحك انهم جعلوا الأمر وكانه حقيقة تامة، وإن هناك مفاوضات فعلاً ستحصل بين وفدي تفاوض، أحدهما أمريكي وآخر بعثي عراقي، حيث تشير المصادر البعثية إلى أن قيادة البعث قد انتهت من اختيار فريق التفاوض، الذي يضم سياسيين ودبلوماسيين وإعلاميين وأكاديميين وعسكريين بعثيين يقيمون خارج العراق، يضاف إليه عدد من السياسيين القوميين والديمقراطيين والمستقلين، لإضفاء التعددية على الوفد العراقي الذي سيتم الإعلان عن تشكيلته قبل بدء المباحثات مع الإدارة الأمريكية التي يعتقد أن جولتها الأولى ستكون في واشنطن وبعدها تنتقل لعاصمة أوروبية أو عربية يتفق عليها الطرفان !!
وأنا اقول لهؤلاء جميعاً : (اقبضوا من دبش ) !!
وقبل ان أشرح للقراء الذين لا يعرفون قصة دبش، اقول بصدق تام سواء للبعثيين، أو لكل العروبيين الذين يتاملون عودة حزب (الجماجم والدم ) لسدة الحكم: انتبهوا، وعوا، ولا تبقوا في وهم خيالاتكم المريضة.
لقد انتهى البعث وولى، فهو ليس حزباً عقائدياً ذا نظرية ومنهج ومبادئ وقيم ومستقبل لكي يبقى حياً ينبض بنظريته، وخالداً بتاريخه وثقافته، مثل الأحزاب التي تحمل في مشروعها مصابيح مضيئة تنير المستقبل لألف جيل، كالحزب الشيوعي العراقي على سبيل المثال لا الحصر، انما البعث مجرد عصابة تشكلت على يد شخص محتال و (أفاق)، اسمه ميشيل عفلق، شخص مريض، مصاب بعدة عقد نفسية وسايكولوجية، انعكست عقده في كتاباته (الساذجة) والهزيلة ..
لذلك، فإن مصير هذا العصابة، وأي عصابة أخرى، يكون الزوال حتماً -مهما كانت شرسة- !
الم يصف صدام حسين رفاقه في مجزرة الخلد، ألم يقتل البعثيون قائد حزبهم فؤاد الركابي، ثم يغتالوا رفاقهم حردان التكريتي وناظم گزار وعبد الكريم الشيخلي وعبد الخالق السامرائي ومئات البعثيين، ألم يقتل صدام بيده ابن عمه سعدون الناصري في تكريت!
إنها عصابة يقتل بعضها البعض حد الفناء.
فأي حزب عقائدي هذا، وأي مناضلون هؤلاء .. وإلا ماعلاقة البكر بالنضال والعقيدة، وهو الذي نشر براءته من حزب البعث في الصحف العراقية، ليتفرغ لتربية (الهوايش) في مزرعته، بعد ان شعر أن حديدة عبد السلام عارف (حامية)، وما علاقة سبعاوي بالنضال والقيم، وهو الذي قال بصوت عال: ( والله العظيم عندي بيت سويحلي من صبيحة ذياب يسوه العراق والكويت والأمة العربية من المحيط الى الخليل) – طبعاً هو يقصد الخليج -! .. لقد تغيرت الظروف، ولم يعد العراق والعراقيون اليوم، كما كانوا قبل ثلاثين عاماً أو أكثر، فقد وعى الناس، وباتوا يعرفون حقيقة البعث وصدام حسين وصورته الحقيقية، بعد أن سقطت رتوش امير اسكندر ، وتزويقات فؤاد مطر وغيرهما.. وأصبح البعث وصدام حسين وعزت الدوري وطه الجزراوي وعلي كيمياوي وبقية الزبالة شيئاً من الماضي – الماضي المؤلم والمخجل أيضاً- لذا فان نصيحتي للبعثيين ولكل من يحلم بعودة البعث للحكم، أن يتخلصوا من هذا الوهم، فالبعث خرج ولم يعد، ولن يعود أبداً .. وسيقبض من يصر على تشبثه بهذا الوهم حسابه من (دبش).
ودبش هذا كان يهودياً عراقياً اسمه عزرا ساسون دبش . ورواية اهل البصرة تروي بان دبش كان يرأس ميناء البصرة ويدفع أجور العاملين في الميناء، وبعد هجرة اليهود من العراق ترك البصرة، حيث استقر في إسرائيل واستلم إدارة ميناء حيفا، وبدأ العمال في البصرة يسألون عن اجورهم ومن سيدفع لهم رواتبهم؟ وكان الجواب يأتيهم دائماً : “اقبضوا فلوسكم من دبش”.
وهكذا اصبح دبش مثلاً لكل من ضاعت فلوسه، وانتهى امره تماماً، حتى أن الشاعر الشعبي (ملا عبود الكرخي) كتب في قصيدة المجرشة :
ساعة و اکسر المجرشة
و العن ابو کل من جرش..
بالشلب اجرش للفجر ..
و اقبض فلوسي من دبش.