بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
كل ما نسمعه ونقرأه من كلمات ومواقف تسعى لتجميل صور ستالين وموسيليني وهتلر وصدام والحجاج ويزيد وعيدي أمين، وكل الطغاة الذين قبحوا وجه التاريخ، هي في حقيقتها من رواسب الخوف والذعر الذي تركه الطغاة في نفوس الأذلاء والمتخاذلين. وصدق المناضل الكبير تشي جيفارا عندما قال: لو تبوّل الطغاة على رؤوس شعوبهم لقال العبيد ان السماء تمطر، وسبقه قول ابن خلدون: لو خيروني بين زوال الطغاة أو زوال العبيد، لاخترت بلا تردد زوال العبيد، لأن العبيد هم الذين يصنعون الطغاة. لكن المثير للدهشة ان رواسب الخوف من الطغاة ظلت مطبوعة في جينات الاجيال اللاحقة حتى وصلت إلينا مواقفهم المشينة في الألفية الثالثة، فظهرت لدينا سلالات من المصابين بعقدة الدونية. سلالات مشفرة سلفياً ظلت تعبر عن ولاءها للطغاة، فقد تجددت مواقفهم المؤيدة لجرائم الحجاج على الرغم من مضي 14 قرناً عليها. .
من مآسي العقل العربي انه عندما يتعرض للظلم من طغاته الحاليين، فانه يتحسر على طغاته السابقين، فالذين يصنعون الطغاة الجدد إنما يصنعونه بقوة الخوف الذي يسكن في قلوبهم من طغاة الماضي، وذلك على الرغم من علمهم ان تمجيد طُغاة الماضي لن ينعش وعي الحاضر. .
لقد تربي المتأسلفون على نمط تفكيري موروث يلغى العقل والمنطق بعناد لافت لخدمة جوانب تنظيرية (سلفية) ترجع في الغالب لفترتي الطغيان الأموي والعباسي. حتى وصلت الحماقة بأحدهم إلى نسف كل ما كتبه المؤرخون عن طغيان الحجاج، وعن دونية يزيد وانحطاطه، فرفع عقيرته بالنباح والصياح بصوت عال: (وا حجاجاه) وهو يعلم انه يتمسح بمومياء متفسخة منذ القرن الهجري الأول. .
أشد ما يحزنني هو التسامح مع الطغاة، ليس من قِبل المطبلين لهم (كما في نموذج محمد سعيد الصحاف وصدام) فهذا متوقع، وإنما من قبل المسحوقين، أو من قبل الذين ينتمون عرقياً أو دينياً إلى الفضاءات التي سيطر، أو يسيطر عليها الطاغية بالحديد والنار. يحدث هذا تاريخياً كما يحدث في واقعنا، حيث لا يجد الطغاة والقساة المجرمون ما يستحقونه من الإدانة، بل قد يجدون كثيراً من التبجيل والتقديس. .
أسعد الله أوقاتكم بسكينة العدل وروائع المنطق الإنساني. .