بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
عندما يغني الفنانون فأنهم يشدون ويطربون بألحان الجنوب، وعندما يفكرون بإنتاج الدراما التلفزيونية فانهم يتهكمون على الجنوب، لا شك انها مفارقة عجيبة لعبت فيها الدراما العراقية دوراً سلبياً ملموساً في الاساءة لسكان الأهوار، وكانت بعض الفضائيات تصر على خلق صورة نمطية لأبناء الجنوب بعيدة عن الواقع، وبما ينال من سمعتهم وكرامتهم في سيناريوهات هابطة تعكس الأهداف المشبوهة لأصحاب تلك القنوات وتوجهاتها السياسية التسقيطية، فظهر ابناء الأهوار في معظم المسلسلات المتلفزة بأدوار لا تليق بقبائل الجنوب. أدوار كانت في مجملها صادمة ومزعجة. وجاءت بعض الأعمال مشحونة بالضغينة الموجهة ضد ابناء الجنوب بشكل عام، وضد ابناء الأهوار بشكل خاص. أعمال تحط من كرامة الشخصية الريفية، فتقدمها بطريقة ساخرة وتهكمية لتظهر أقرب إلى البلادة والسذاجة والبلاهة. وأحياناً تتعمد النيل من إنسانية ابناء الأهوار، وتتمادى في الاستخفاف بهم والتندر عليهم، في حين تتناول بعض الفضائيات شخصية ابن الهور بشكل كوميدي، فتنتقص من ثيابه الرثة، ولهجته الريفية البسيطة بطريقة مبتذلة تفسد ذائقة المشاهد، وتجعله ينفر من مثل هذا الطرح المسيء، الذي يقدم صورة مشوهة وغير حقيقية. .
يفترض ان تكون الدراما الريفية خالية من الألفاظ البذيئة، والملابس البالية، والبيوت الطينية الغارقة في التخلف، ولسنا مغالين إذا قلنا ان المشاهد العراقي بات يستخف بكادر العمل الفني، ويصب عليه جام غضبه، كلما شاهد عملاً فاشلاً من تلك الأعمال التي أساءت إلى أبناء الأهوار. .
اللافت للنظر ان الدراما العراقية هي التي استهدفت الجنوب في أعمالها، وهي التي اختارت الجنوب منذ زمن بعيد في برامجها التسقيطية لغايات ودوافع سياسية وطائفية ومناطقية، وهي التي تعمدت توجيه مدافعها التشويهية لقصف الجنوب بقنابلها الحاقدة ونيرانها المتعمدة. على الرغم من علمها ان تاريخ الكون كله، وتاريخ العراق بمجمله يبدأ من جنوب العراق، من حضارة هي الأقدم والاروع والاسمى في المعيار العلمي والإنساني والريادي. .