بقلم : فالح حسون الدراجي ..
اعرف الدكتور علاء بشير كفنان بارز، له منجز متميز في الذاكرة التشكيلية العراقية..كما أن الكثير من العراقيين يعرفونه أيضاً من خلال ميدانه الطبي، وتخصصه المتمثل بإعادة الأطراف المبتورة، وذيوع صيته بعد نجاح عملية جراحية أعاد فيها يداً مقطوعة، بآلة حادة سنة 1983 في مستشفى الطوارئ، الذي أصبح اسمه (الواسطي).. وقد كان لمساهماته في معالجة المتضررين من الحروق والتشوّهات في الحرب العراقية الإيرانية، وحرب الخليج الثانية، أثر ومعنى كبيران، جلبا له مزيداً من الاحترام والتقدير .
وإذا كان لمنجزه الفني، واعماله الطبية التقويمية أثر طيب في نفوس الناس، فإن لكتابه الموسوم: (كنت طبيباً لصدام)، أثراً أكثر اهمية وفائدة للعراق وللأجيال العراقية.. فهو يمثل جرس تنبيه وصرخة تحذير يوجهها للعراقيين لغلق جميع المنافذ بوجه عودة الدكتاتورية الى العراق. ولعل أهمية هذا الكتاب تكمن في أهمية الموقع الذي شغله مؤلفه وهو الموقع الذي أتاح له دون غيره رؤية وجه نظام الحكم دون أي تزويق..
إذ إن من السهل الحصول على فنان تشكيلي كعلاء بشير في العراق، والعثور على طبيب ماهر مثله، لكن من المستحيل الحصول على كاتب يستطيع منحنا مثل هذا الكتاب الخطير .. فأنا حين أجزم باستحالة الحصول على كتاب كهذا، فلذلك أسباب عدة، من بينها، أن الفرصة الاستثنائية النادرة التي منحتها الأقدار لعلاء بشير في أن يكون طبيباً خاصاً للرئيس ولكل أفراد العائلة أيضاً، وما وفرته له هذه الفرصة من مجالات للتعرف عن قرب على الاسرار والخفايا المخبوءة خلف اسوار القصور الرئاسية العالية، ليرى ما لا يراه غيره من انتهاكات وجرائم لصدام وأسرته، بما في ذلك التعرف حتى على عشيقات الرئيس، وخليلات أخوته أيضاً، وجرائم عدي الأخلاقية، خاصة وقد كان علاء بشير طبيباً (ترقيعياً) وتجميلياً، وظيفته معالجة وترميم العيوب (الخلقية) الأصيلة، والمستجدة، لأفراد عائلة صدام، والتغطية على العيوب (الأخلاقية) أيضاً.. ولعل موضوعية بشير، وحسن أخلاقه، ومصداقيته، وتهذيبه العالي الذي انعكس على لغة الكتاب، وقد ظهر ذلك من خلال امتناع قلمه عن ذكر أي كلمة بذيئة، أو الولوج لمداخل ومواقف (شخصية جداً)، أو التركيز على أشخاص دون غيرهم، بدوافع ثأرية انتقامية، قد أعطت – كلها – للقارئ ثقة في الكاتب والكتاب.. ولا يخامرني هنا أدنى شك في أن أسرة صدام الجشعة، والشرهة، ضمت أشخاصاً اصطدموا حتماً في يوم ما بشخصية علاء القوية، وإن بعضهم ضمر له الكره والبغضاء، مثل وطبان وسبعاوي وعدي وعبد حمود وارشد ياسين وعلي المجيد، لكن علاء لم يظهر في الكتاب أي أحقاد شخصية تجاههم، إنما تعامل مع الكل بمعيار واحد، وقلم واحد، دون حساسية، أو عدوانية .. والشيء نفسه الذي فعله مع خصومه في عائلة صدام، فعله مع الذين – أعتقد – ان علاقته بهم كانت جيدة، دون أي تمييز، مثل برزان – الذي اختار علاء بشير دون غيره ليصحبه بمهمة خطوبته من أرملة فاضل البراك، وكذلك فعل مع قصي وسميرة الشابندر ، اللذين كانت علاقتهما به طيبة كما يبدو..فضلاً عن علاقته الحسنة بصدام نفسه، الذي كان يحميه من (الذئاب)، ويسمع آراءه ومقترحاته وتحليلاته باحترام، وهو امر لم يكن يفعله صدام مع وزرائه ومساعديه قط.. لذا فأن هذه الموضوعية التي كتب بها بشير كتابه، وهذه (العدالة)، والإخلاص للتاريخ، وللحقيقة، التي لم اجدهما في عشرات كتب المذكرات العراقية والعربية وحتى الأجنبية التي قرأتها لقادة وملوك وزعماء وادباء كبار.. هي السبب الاول الذي جعلني أصدق كل ما جاء فيه.. إن أهم ميزة سياسية واخلاقية تميز بها كتاب علاء بشير برأيي، هي انه غاص في أعماق محرمة عربياً، بل وغير مسموح اظهار ما فيها للناس من قبح، ولولا هذا الكتاب لما تكشفت جرائم ومساوئ هذه الأسرة بعد ألف عام !! لذلك نجح علاء نجاحاً كبيراً في تعرية ما هو مستور ومضموم من كم الخطايا، والجرائم الإنسانية والأخلاقية الهائلة والراكسة في (قاع) السرية المظلم، واسقاط النقاب عن وجه صدام الحقيقي ونظامه وعائلته، إذ لولا علاء بشير، لبقي صدام محاطاً بتلك الهالة النورانية الإيمانية المزيفة التي أسبغها عليه تجار الاعلام العروبي! وهنا أستطيع القول بضرس قاطع، إن علاء تمكن من رفع الغطاء عن بالوعة هذا التاريخ الآسن وإظهار نتانة هذه الأسرة، التي قتلت وظلمت كثيراً، كما سرقت قوت العراقيين، وأوغلت بدماء أبريائهم.
وللحق، فقد حسم علاء بالأدلة القاطعة الكثير من القضايا الجدلية، ووضع النقاط على أغلب الحروف من الموضوعات التي كان الشك يدور حولها شعبياً، مثل زواج صدام (سراً) من سميرة الشابندر، ورفض رغد وشقيقتها رنا، قرار طلاقهما من حسين وصدام كامل،وتأكيد واقع العلاقة الملغومة بين قصي وشقيقه عدي، وصحة ما يقال عن جرائم زوج أخت صدام أرشد ياسين بتهريب آثار العراق، وموضوعات مهمة اخرى. وبذلك أنار الكتاب بمصابيح الحقيقة، كواليس أسرة وضيعة شريرة، فظهرت لنا كما هي دون اقنعة، بما في ذلك كبيرها (المؤمن)، فالرئيس (الورع) الذي لم يكن (المصحف) يفارق يديه في دخوله وخروجه من قاعة المحكمة، ظهر أنه رجل فاسق له عشرات العشيقات، والخيانات الزوجية، وقد اطلع طبيبه علاء بشير بنفسه على تلك الخيانات، بل قام بمعالجة بعضها بأوامر منه،كما قام بإجراء عمليتين جراحيتين لسميرة الشابندر، التي تزوجها صدام ( سراً ) بعد ان طلقها من زوجها (مدير الخطوط الجوية العراقية الأسبق)!!
لقد كشف بشير عارهم واحداً واحداً، بالاسماء والارقام والشهود والأدلة
،فكان في كتابه مثلاً، ذكر (عطر) لصفقات زوجة الرئيس ساجدة، واختها الهام، ولجرائم حسين كامل وشقيقه صدام أيضاً. وفي الكتاب أمثلة عن فضائح وطبان وبرزان، اما جرائم عدي الاخلاقية، فحدث عنها بلا حرج، ولرغد فيه صفحات ايضا، ولخالها لؤي سطور عدة.. ولرشاوى وعمولات أبناء عم صدام رائحة تزكم انف الكتاب والقراء، وعذراً فأن ما يحدث من انتهاكات اخلاقية خلف أبواب القصور الرئاسية، امر أتعفف عن ذكره هنا.. لقد وصل الحال لأبعد من (فراش الرذيلة) للأسف ..
وسأكتفي ببعض (امجاد) هذه الأسرة حسب ما ورد في الكتاب..فمثلاً اجرى الطبيب علاء بشير قبل يوم، وقبل يومين أيضاً من قصف بغداد بالطائرات الأمريكية في العام 2003 عمليات تجميلية لأنف وعنق (ومناطق حساسة) من أجسام رغد، وزوجة قصي وابنته، وسميرة الشابندر ، واثنتين من عشيقات وطبان (الغجريات) وغيرهن. لذا أقول بمرارة وألم : كيف حكمت أسرة وضيعة، عراقنا الكريم 35 عاماً، أسرة يقتل فيها الأخ علي حسن المجيد أخاه كامل حسن، وولديه حسين وصدام، بل ويضع حذاءه فوق رأس ابن أخيه المقتول، وهو يقول “صوروني ليرى أبو عدي”، ولم يراع القاتل حرمة ميت، وحرمة أخيه.
إن هذه العائلة الوضيعة التي يقوم فيها عدي باطلاق النار
على عمه وطبان ويهشم ساقه، والعائلة التي تشتم فيها الزوجة ساجدة، زوجها صدام، أمام رجل غريب مثل الطبيب علاء بشير ، والعائلة التي فيها ابنتا الرئيس، تشاركان زوجيهما مؤامرة الاطاحة بأبيهما، وصراعات الأخوة والأخوات فيما بينهم، مع فظاعات أخرى لا تعد ولا تحصى، أصبح من حقي ان أسأل بكل الأسى والوجع: كيف سمحنا لهذه العائلة (الغجرية) أن تحكمنا- حشا قدر الغجر – ؟!