بقلم: د. كاظم فنجان الحمامي ..
صدرت الطبعة الاولى من هذا الكتاب باللغة الانجليزية في العام الماضي، وعلى وجه التحديد في يوم 21 مارس 2022، عن دار : Pisces Publishing، ويقع في 154 صفحة. من تأليف جوشوا براون. وهو مؤرخ أمريكي من مواليد 1949، وله عدة مؤلفات. كان آخرها كتابه الذي بين ايدينا، والذي يحمل عنوان رئيسي: (Sumerian Mythology). وعنوان ثانوي: (A Deep Guide into Sumerian History and Mesopotamian Empire and Myths)، ويعني: (دليل عميق في التاريخ السومري وإمبراطورية بلاد ما بين النهرين وأساطيرها). .
على الرغم من حجم الكتاب الصغير، إلا انه يسلط الاضواء على الغموض التاريخي الذي اكتنف الأساطير السومرية منذ آلاف السنين. ويعرض حكايات أول حضارة في العالم بأسلوب ممتع، ويعرض أيضاً حقائق تذهل العقول. فقد كانت الأساطير السومرية مثيرة للدهشة وتحتاج إلى شروحات وتفسيرات. .
ببدأ المؤلف حديثه بكلام لا يخلو من الإعجاب بالآلهة السومرية (إنانا). ثم يتعمق كثيراً في المنجزات العلمية التي حققها السومريون، والتي نتعايش مع معظمها في العصر الحديث، فقد ورثنا عنهم الطرق التمهيدية لقياس الوقت في النظام الستيني، والاهتمام بمراقبة النجوم والأجرام السماوية، وأساليب زراعة المحاصيل، وأدوات الحرث والحصاد ونظام الري، والأسس الأولى للتشريعات القضائية منذ أكثر من ستة آلاف عام. وكيف ساعد الأبطال مثل جلجامش في رسم صورة الانتماء للحضارة التي علمت الناس أصول الكتابة والتدوين وفنون الملاحة وصناعة السفن والتجارة والصناعة. .
كان السومريون رجالاً أشداء يتطلعون إلى الخلود والبحث عن البقاء الأبدي بأكثر من طريقة. لكنهم استخدموا قصصهم كطريقة لإرشاد الآخرين في تنوعهم السكاني، وسعيهم الحثيث لمساعدة أنفسهم على فهم الكون. .
يستكشف هذا الكتاب حكايات الآلهة والأبطال بطريقة موجزة وسهلة القراءة. فقد كانت حكايات الأبطال والآلهة ملهمة لشعب بلاد ما بين النهرين، ناهيك عن حبهم للتعلم الذي أكتشفوا انه الطريقة الوحيدة لفهم العالم الذي عاشوا فيه، وكيف كان مختلفاً عن عالمنا. كان عالمهم يعج بالقصص والمواقف الغريبة، اتخذوا من الأسود والنسور شعاراً لآلهتهم ورموزهم الدينية التي ظهرت بأجنحة الطيور. .
روى السومريون العديد من حكايات الآلهة مثل إنانا وإنليل، وهي حكايات ساعدت حضارات بلاد ما بين النهرين على الصمود لما يقرب من 4000 عاما. .
اللافت للنظر ان مؤلف الكتاب يذكر معلومة مثيرة للدهشة، يقول فيها: (ان المستكشفين الاوائل عثروا في القرن الثامن عشر على أقوام يعبدون في الخفاء الآلهة إنانا في مناطق متفرقة من العراق منذ خمسة آلاف سنة). وهي معلومة تثير الشكوك وتبعث على الريبة وتحتاج إلى دليل قاطع. .
كان عالم السومريين مختلفاً عن عالمنا. يذكر مؤلف الكتاب ان الناس في قلب الحضارة السومرية كانوا يعيشون في العراق وأماكن أخرى في الشرق، وقد تركت الحضارة السومرية رواسبها على ثقافتهم المعاصرة وطريقتهم في التفكير التي تختلف عن طريقة بقية الشعوب. (الحقيقة انه لم يوضح كيف ولماذا ؟، وبماذا نختلف عن بقية الشعوب والأمم). .
يفتح هذا الكتاب عشرات النوافذ لمشاهدة السومريين على حقيقتهم في العصور الغابرة. ويذكر ان بلاد ما بين النهرين كانت حاضنة مثالية لإمبراطوريات عظيمة: الأكادية والآشورية والبابلية. وهي الامبراطوريات التي تميزت بالقوة والثراء الفكري المتمثل باساطيرها المذهلة. فعن طريق الأسطورة السومرية يمكن ان نفهم التاريخ من خلال الحصول على ملخص للأحداث الكبرى، ويمكن التعمق في دراسة الآلهة. وستتعرف في هذا الكتاب على جلجامش وإنكيدو، وكبار الآلهة في تلك الحقبة، وكيف حافظ سكان أهوار جنوب العراق الآن على بعض مفرداتهم السومرية في لهجتهم المحلية. .
مرة أخرى أشعر بالحزن والخذلان كلما لمست اهتمام المؤرخين الغربيين، وكلما قرأت مؤلفاتهم الغنية بالمعلومات عن حضارتنا القديمة التي طواها النسيان على يد مؤسساتنا المهملة، التي فقدت اهتمامها، حتى وصلنا إلى اليوم الذي صار فيه الحديث عن تاريخنا العظيم حديثا هامشياً لا يكترث به أحد. .