بقلم : فالح حسون الدراجي _ حيدر قاسم ..
من بيت رقمه ١٣ / ٢ / ٤٣ في مدينة الثورة، مدينة الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم، من تلك المدينة التي تستنشق عبق الحرية، و تستلهم قيم التضحية، و ينمو في جذور تربتها الأحرار جيلاً بعد اخر. من تلك البيئة الخصبة التي كانت موئلاً لكل فكر حر، تقدمي، إنساني، يريد ان يُنصف الكرامة الإنسانية، و يحرر الإرادة الشعبية من كل ما علق بها من ادران الاستعمارات، و الاحتلالات، و الاختلالات في معادلة الحكم، و تضعضع بنية المجتمع الذي اكتوى بنيران أنظمة رجعية، تمتهن الإنسان، و تعمل على خلع صفاته وأخلاقه، من بين ذلك كله، و من وعي بحجم المأساة، و بعمرٍ مبكر جدا، ظهر شهيدنا الباسل، خيون حسون الدراجي، متشكلاً بثقافة أممية، طليعية، و حاملاً لهموم مجتمع رآه ببصره و بصيرته، يرزح تحت ضغوط الحياة القاحلة، و يكتوي بنيران الظلم و الإقطاع و التهميش و العزل الاجتماعي. من هنا بدأت رحلة الشهيد، و من هذه البيئة انطلق، مفتتحاً مسيرة حياتية حافلة، كاتباً سطوراً منيرةً في سفر الوطنية العراقية، و واضعاً معنى جديداً من معاني التصدي لمهمة نبيلة، دفعه إليها حسه الطبقي المبكر، و نضجه المعرفي الذي اكتسبه من مدينة عرفت الثقافة والفنون والآداب، بل و كانت تتنفسها كما تتنفس الاشجار الباسقة، اوكسجين الحياة، على الرغم من شحته آنذاك.
إرث ثوري..و قوة في مواجهة الحياة
نعم، هكذا نشأ الشهيد خيون (أبو سلام)، محملاً بكل ارث الثورية النقية، و ناهلاً من فيض الايمان المنغرس في نفوس طيبة، تضع الصدق و الأمانة و الكرامة والحرية، و الاعتدال، منهجاً و طريقاً، لا تتردد في أن تعبّده بدمائها، متى ما اقتضت الحاجة، و متى ما شعرت أن الطريق لن تكون سالكة الا بذلك الفيض المتدفق، كيف لا و تلك المدينة يصدح في ارجائها و بيوتها صوت ثورة الحسين بن علي الشهيد المظلوم، الذي أنار دياجي غسق الحياة، فراح الناس يحملونه مشعلاً و راية. وهكذا تشكلت قصة مناضل ثوري، اختار منذ نعومة أظفاره، الكفاح الوطني، و مضى يتحدى الطغاة، بعزم رجال لا يبالون، و لا يخشون القمع، و لا يضعون للمقاصل اية اعتبارات، فهو وريث مدرسة تنتمي للثورة الحسينية، فكراً، و تتمثلها موقفاً، و هو من مدرسة رائدها فهد الشامخ، و من مدرسة بطل الأبطال سلام عادل ومئات الشهداء الذين تضرجوا بدمائهم الزكية ولم ترف لهم عين، او يخفق لهم فؤاد، خوفاً او هلعاً. نعم هو من مدرسةٍ كانت و لا تزال مستمرة في تقديم قوافل الشهداء، أينما وجدت الظلم، و اقتضت الضرورة لذلك. لقد عاش خيون الدراجي، الشهيد الذي وعى المواجهة الأولى، و لم يتراجع قيد أنملة، يتقدم صفوف كوادر الحزب الشيوعي العراقي، ذلك الحزبُ الذي اخذ على عاتقه قيادة حركة التحرر الوطني، ومضى منذ تشكيله يعانق التضحيات، و يختار ساحة المواجهة في كل الميادين، انتصاراً للعدالة الغائبة عقوداً طويلة، و يزرع الوعي في نفوس معتنقيه فكراً وعقيدة.
خلاصة الطغيان
ولأن البعث المجرم، و نظامه الدموي الفاشي، مثّلا خلاصة الطغيان و الجريمة، و كانا عصارة الإستبداد و القمع، و أعظم نتاج لما توصلت إليه الدوائر الاستعمارية، في صناعة نظام قاتل مهمته تفتيت القوى الوطنية، و قتل روح الثورة و الرفض لدى الشعب العراقي الذي مثلت له ثورة الرابع عشر من تموز 1958، انعتاقاً و صفحة جديدة، و املاً بحياة أكثر عدالة اجتماعية، لكن هذه القوى و الدوائر، كانت تعمل ليل نهار على اجهاض هذا الحلم، و هو ما تحقق لها على يد البعث الذي بدأ حملته المسعورة ضد الخصم الذي يعتقده، وهو الحزب الشيوعي العراقي، و كوادره النشيطة الفاعلة، فسقط من سقط في ساحة المواجهة التي كانت غير متكافئة، اذ حظي ذلك النظام المجرم بدعم دولي قل نظيره، و إعلام منحاز، وقف الى جانبه، و هو يخوض في دماء خيرة ابناء العراق، و منهم الشهيد خيون حسون الدراجي الذي طالته يد الجلاوزة في مثل هذه الأيام من عام 1980، لتغيبه، و تغتاله عنوةً، صابراً، شهماً، رافضاً لكل قمعها، و شاهراً أمامها سيف المبادئ الرفيعة التي آمن بها فتىً يافعاً، و مضى عليها، شاباً في ريعان شبابه، مردداً نشيد رفيقه الملهم، الشهيد الخالد فهد، الذي قالها بعلو و زهو، ” الشيوعية أقوى من الموت، وأعلى من اعواد المشانق”.. وهكذا ستبقى الشيوعية الى الأبد، مهما تكالبت الأزمان، وعلت أصوات الطغاة.
سلاماً لروحك أبا سلام، يا ابن مدينة عظيمة، وعائلة لم تذهب الى غير طريقك المضيء بالحب والعدالة.