بقلم: كمال فتاح حيدر ..
نفرح عندما نرى اهتمامات الغرب بحضارتنا و برموزنا التاريخية، ونحزن عندما نرى مستوى مقرراتنا الدراسية دون مستوى الاهتمامات الغربية، ولا ترقى إلى ثراء المواد التاريخية التي يدرسها الطالب الأوروبي في بلاده. .
الكتاب الذي بين أيدينا من إصدارات مؤسسة (CreateSpace Independent Publishing Platform) عام 2018، ويقع في 60 صفحة فقط، ويحمل عنوان: (The Code Of Hammurabi)، وهو غني بالمعلومات والصور والخرائط. .
يتناول الكتاب شريعة حمورابي التي تعد أقدم وأشمل القوانين المكتوبة بتوجيه من الملك البابلي حمورابي عام 1754 قبل الميلاد. .
فقد نقش حمورابي شريعته على شاهدة ضخمة من الحجر الأسود على شكل إصبع، وقد أعيد اكتشافها عام 1901. وقد نُقِشت نصوصها باللغة الأكادية، باستخدام الخط المسماري المحفور في الشاهد. وتعتبر أولى الوثائق التي قننت، أو شكلت أساساً لما أصبح يعرف بالقانون المدني والجنائي. .
كان قانون حمورابي نافذاً في بلاد الرافدين، وكان ملهما للمشرعين عند الاقوام والشعوب الأخرى، نذكر منها قوانين مدينة إشنونا، وقوانين الملك ليبيت من إيسين، والنسخ البابلية القديمة من قانون أور نامو. .
ولهذه المسلة نصوصاً محفوظة في المكتبة اليونانية واللاتينية القديمة، وبعض بنودها موثقة في قانون الجداول الاثني عشر (450 قبل الميلاد)، ومعاهد جايوس (180)، وقواعد أولبيان (222)، وآراء بولس (224)، و Corpus Juris Civilis of Justinian (533)، التي قننت القانون الروماني، ودساتير ليو. .
ولمسلة حمورابي ترجمات مختلفة، وفيها مواد منحت الشعب الحق في مقاومة الطغاة والمستبدين، وخلعهم والتمرد عليهم، وقتلهم إن لزم الأمر، وهناك بنود مقتبسة منها في دساتير كلارندون (1164) – الحقوق الثابتة للكنيسة في إنجلترا. وهي اولى الشرائع التي أرست المبدأ القائل بأن لا أحد فوق القانون، ولا حتى الملك فوق القانون، وتم تأليف حوالي 1290 كتاب عنها حتى عام 1530، وكان لها الأثر الكبير في التعديلات التي طرأت على هيئات المحلفين في معظم البلدان المعاصرة، واستمد منها نيكولو مكيافيلي (1513) وصاياه العملية حول الحكم وفن الحكم، والمشاكل التي يجب على أي حكومة أن تكون قادرة على حلها. وهي اول التشريعات التي تناولت الخطاب الصريح حول العبودية الطوعية، وهذا ما أكد عليه إتيان دي لا بويتي (1548)، واول من أشارت إلى تحمل الشعب المسؤولية التقصيرية في التصدي للعبودية، وسمحت للشعب بالمقاومة السلمية، وأشاد بها توماس سميث (1565 ، 1583) عند تناوله دستور إنجلترا في عهد إليزابيث الأولى، مما يشير إلى الميول نحو المُثل الجمهورية والحلول الديمقراطية. .
فالصورة التي يقدمها لنا هذا الكتاب (على الرغم من حجمه الصغير) صورة مختصرة لكنها مكثفة وتمنحنا نافذة واسعة للاطلاع على القوانين والتشريعات الدولية المعاصرة التي استمدت بنودها من مواد شريعة حمورابي. ويقدم لنا الكتاب صورة أخرى عن المراجع والمؤلفات القانونية والتاريخية والفلسفية التي تطرقت لهذه التشريعات البابلية التي لم تسبقها أية تشريعات بشرية في كوكب الأرض. . .