بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
لعبت المضخات الاعلامية دوراً تضليلياً سافراً في تغطية جميع حروبنا الخاسرة، وتركت في القلب ندبات لا يزول أثرها حتى وإن توالت الأيام ومرت الأعوام. . .
كانت أمتنا منتشية منذ عقود بأفيون المبالغة. منتعشة بضجيج الأبواق المضللة. مستسلمة تماماً لنمطية الأوهام والأكاذيب. وسارت منابرنا المسموعة والمرئية والمقروءة على النهج الذي صنعه أحمد سعيد (مؤسس صوت العرب) في ستينيات القرن الماضي، وأحياه من بعده (محمد سعيد الصحاف) في الألفية الثالثة. فترسخت في ذاكرتنا بيانات النكسة، والنكبة، وأم المعارك، وتاج المعارك، ويوم الأيام، ويوم الفتك العظيم، وعاصفة الصحراء، وصولاً إلى معارك الاخوة الأعداء بقيادة البرهان وشقيقه حميدتي داخل ضواحي الخرطوم. .
وكان لتلك البيانات المضللة طقوسها الثابتة والموروثة والمبتكرة. تبدأ بالبسملة وقراءة ما تيسر من القرآن. ثم يواصل المذيع قراءة البيان بصوت بركاني مجلجل، ونبرة حماسية مفتعلة، وأعصاب مشدودة، وعنتريات مشحونة بانفعالات مصطنعة، يختمها بترديد (الله أكبر) ثلاث مرات. تعقبها أنشودة ثورية. من مثل: (دع سمائي فسمائي مُحرقة. دع قناتي فمياهي مُغرِقة. وأحذر الأرض فأرضي صاعقة). . ثم نستفيق بعد بضعة أيام على فداحة هزائمنا المخزية المتلاحقة، التي ضاعت فيها سيناء والجولان والضفة، وفقدنا فيها سيادتنا على ارضنا ومياهنا واجوائنا. .
وما زال الإعلام الكاذب يرقص للفاشلين على وحدة ونص بأنغام التهريج، ويصور فشلهم على انه انجازات باهرة، وكوارثهم على أنها تطوير وتنمية وحياة كريمة، ثم يواصل تسويق الأكاذيب نفسها لإلهاء الشعب وتخديره. وبالتالي لا يختلف إعلام النكسة، وهو يعلن الانتصارات الوهمية ودخول الجيش المصري تل أبيب وإسقاط مئات الطائرات، بينما كانت إسرائيل على أبواب القاهرة، لا يختلف عن إعلام أحمد موسى وعمرو أديب ومصطفي بكري وغيرهم في التدليس والثرثرة والهذيان. .
ختاماً: لقد أصبح كل من احمد سعيد، ومحمد سعيد من أشهر رواد مدرسة قلب الحقائق، وكانوا اسطوات وسمكرية في ترويج الأباطيل، بدعوى الحفاظ على النظام الحاكم، ومازالت هذه المدرسة مستمرة في مواصلة نشاطاتها المضللة، منذ الحقبة الناصرية وحتى اليوم الذي صار فيه لكل حزب عشرات الفضائيات، وعشرات المنابر في كل دولة. .