بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
انتشرت صورتها منذ زمن بعيد داخل بيوت معظم العراقيين. وحيكت حولها حكايات وقصص من نسج خيال الناس. كنا نسهر معها قبل اختراع التلفزيون، فنسمع قصتها كل يوم على لسان جداتنا من دون ان نشعر بالملل، وفي كل يوم نسمع تعديلات جديدة ومشوقة تضيفها جداتنا للرواية المبتكرة. ولا ادري كيف اتفق العراقيون على اسم (بنت المعيدي). ولها في العراق أكثر من قصة مُتخيلة، ومنشورة على صفحات مواقع التواصل. .
لكنني اكتشفت متأخرا ان صورتها معلقة في معظم البيوت العربية من طنجة إلى البصرة. ولها حكايات وروايات في كل مدينة. ثم تأكد لي ان الصورة التي أشتهرت وذاع صيتها بين العرب تعود لأميرة أمازيغية جزائرية من مواليد 1489، اسمها (زفيرة) ومعناها باللغة الامازيغية: (ركيزة البيت) وهي زوجة السلطان سليم التومي آخر سلاطين الجزائر قبل بداية الحكم العثماني هناك. .
لم تكن الأميرة (زفيرة) مجرد فاتنة تتسم بالجمال فقط، وإنما كانت تمتلك حساً إبداعياً وذوقاً راقياً، إذ اشتهرت بعشقها للخياطة والتصميم، فكانت أوّل من ابتكرت وصممّت الثياب التقليدية (البدرون) و (الشلقى)، وهما لباسان تقليديان لا تزال نسوة الجزائر يرتدينه في الأعراس والأفراح والمناسبات. وقد صُنفت تصاميمها ضمن التراث العالمي في منظمة اليونسكو. .
مات زوجها السلطان (سليم التومي) مقتولا على يد القبطان التركي (عروج بربروس). فحزنت عليه زوجته الاميرة (زفيرة)، وعزلت نفسها في قصر (عزيزة) حزناً على مقتله، في حين وصل إلى مسامع (عروج بربروس) أنها فائقة الحسن والجمال، فعرض عليها الزواج، لكنها واجهته بالرفض القاطع، فغضب منها، وأقسم إنّه سيتزوجها غصبا عنها، وفي تلك الليلة قامت (زفيرة) بوضع حد لحياتها، فانتحرت وماتت بشرب السم، حتى لا تعيش في بيت قاتل زوجها. وجُسّدت قصتها في فيلم جزائري فرنسي بعنوان: (آخر ملكة) سنة 2021، أدّت فيه دور الأميرة الممثلة الفرنسية الجزائرية عديلة بن ديمراد، وشاركت فيه أيضا الممثلة التونسية هند صبري والممثلة الفرنسية الفنلندية ناديا تيريزكييفت، أما الإخراج فكان للفرنسي الجزائري داميان أونوري. .
وتقاطعت المصادر حول الرسام أو الرسامين الذين رسموا لها أكثر من لوحة زيتية. ظلت متداولة بين الناس في عموم المدن العربية حتى يومنا هذا. .