بقلم: فالح حسون الدراجي ..
مرحباً بك سيدي ابا عبد الله في عراق الفقر والعوز و (النفط الوفير ).. مرحباً بك في بلاد (الرافدين) وما بين النهرين، وروافد الفراتين، التي باتت أرضها اليوم ظامئة، عطشى حد التفطر والإنشقاق من شدة الضمأ والجفاف ..!
مرحباً بك وبراياتك العالية الخفاقة على طول وعرض الازمان .. تلك الرايات التي أسقطت الف طاغية وطاغية، دون ان تنال منها الرياح العاتية، أو تصل اليها يد الدهر الظالمة..
مرحباً بك يا درة الهواشم، وتاج الحرية وسيد الاحرار وقائد مواكب الشهداء .
فها هي سفينة (نجاة الأمة) تمخر عباب البحار والمحيطات، وترسو في أول محرم على موانئ العشق والولاء الحسيني.. فمرحباً بسفينة نجاة الأمة وشراعها الحسيني الأبيض رغم سواد الأيام الذي يرتديه محبوك ومريدوك العراقيون وغير العراقيين.
مرحباً بك سيدي ابا عبد الله .. يا قانون العدالة والنزاهة والشرف والإباء فوق هذه الأرض، ويا ضمير الحرية فوق كل نجوم وغيوم السماء.. مرحباً بك أبا علي الأكبر.. يا نور الله الباهر، ومنجز الطبيعة الفاخر، وجمال الإنسانية النادر .. مرحباً بك لتحل في قلوبنا قبل بيوتنا، كما حللت في ضمائرنا وعشت في أرواحنا مذ عرفناك.. لقد انحزنا نحن المظلومين والمحرومين والمهمشين لك، منذ نشوء الطبقات والإستغلال الطبقي، ومنذ ظهور الظلم والظالمين في عراقك الذي رويت أرض كربلائه بدمك الطاهر، وزرعت في كل شبر منه بذور البطولة والشجاعة ورفض الذل والعبودية .. لقد انتمينا لك قبل أن ( ننتمي) لأي فكرة سياسية، أو كيان نضالي.. أجل فنحن محبوك الحقيقيون، الصادقون، بلا رياء أو ادعاء، محبوك الذين لا يبغون من حبك جزاءً ولا شكورا، وكما قال سيد البلغاء علي بن أبي طالب، وهو يخاطب ربه بصراحة ليست مثلها صراحة، قائلاً: (الهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك، لكني وجدتك اهلاً للعبادة فعبدتك ..)..
فيا سيدي أبا عبد الله .. نحن الفقراء الموزعين على أرض العراق من الجنوب الى الشمال، ومن الشرق الى الغرب- شيعة وسنة- وغير مسلمين أيضاً، ندعوك في هذه الأيام العاشورائية، الى بيوتنا الصغيرة، الفقيرة، الطيبة، لتحضر مجالسنا الحسينية البسيطة الخالية من (الفخفخة)، والإدعاء والبذل والتنافس الوجاهي على نيل لقب (المجلس الأفخم) !
نحن عشاقك الراضين (كراهة) بعيشهم البائس في بيوت الصفيح أو التنك كما يسميها بعضهم !!
نحن أبناء طبقات البؤس والكدح والضيم والبطالة والعوز، والإهمال المبرمج من قبل جميع الحكومات العراقية -باستثناء حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم..
نحن- مريديك الصادقين سيدي، ندعوك بكل الحب الى (قراياتنا) البسيطة في قطاعات (الثورة) المظلومة، والشعلة المحرومة، وعشوائيات مدينة الحرية، وحي طارق والرشاد، والحميدية والحسينية والمعامل والديوان، وسبع قصور.. فتعال بحضورك الرسالي، وأضئ بيوتنا المنطفئة، بقناديل نورك، وبهائك، وجمالك، وروعتك المشعة أبداً..
تعال سيدي يا أبا عبد الله الى مجالسنا الحسينية الصغيرة المقامة في بيوتنا واكواخنا الطيبة، في مناطق الحيانية والگزيزة وخمسة ميل والمدينة، والصدرية، والعرفية، والعزة، وكميت وقلعة صالح والمجر والميمونة وعلي الغربي، وحي الملايين، ومنطقة العرايا ومنطقة الجربوعية ..و …الى آخر مناطق الألم والوجع والمعيشة المرٌة..
تعال لترى العيون النقية، والقلوب المحبة، والارواح العاشقة لرسالتك وقيمك المعطرة باريج الحرية .. تعال الى مجالسنا سيدي في ليالي محرم، لكي تطمئن على حصانة الحرية في قلوبنا، وسلامة المبادئ التي دفعت دمك ودماء أهلك وأصحابك ثمناً لها .. فنحن – وليس غيرنا – من يحمي هذه المبادئ، ويصون قيمها التي داست خيول القتلة على جسدك الطاهر من أجلها. نحن المزروعين في بؤر العذاب وبيوت القهر والجوع والصبر، في أحياء الداوي، وحي كبابة، وأم العظام، والصويرة، ومحيرجة، والعزيزية، وشيخ سعد، والتعيس، والجباوين، والمهدية، وأبو خستاوي، وتلعفر، وتسعين، وغيرها.
ونحن أيضاً سكنة ( علب السردين)، والبيوت المتداخلة الذين يسموننا الحواسم (تحقراً )، نحن الذين ينامون ويصحون بلا ماء ولا كهرباء ولا دواء، ولا رغيف خبز نظيف، ولا طرق معبدة، ولا مجارٍ وصرف صحي .. وطبعاً بلا مدارس ولا معلمين أيضاً.
نحن الفقراء المنسيين، المشطوبين من ذاكرة السياسيين طيلة السنوات والشهور والأيام -عدا أيام الإنتخابات طبعاً، حيث يتكاثر مجيئهم ورواحهم علينا، وتتزاحم وعودهم الخادعة أمام ناظرينا -!!
سيدي أبا عبد الله، ماذا اقول لك عن سياسيينا ومسؤولينا و(قاتلينا)، وأثرياء النعمة الحديثة، وعن أولئك اللصوص من (أبطال) سرقة القرن، أو ما فوق ودون (القرن)، والذين تورمت أوداجهم، وانتفخت بطونهم باموال السحت الحرام، حتى غصت حسابات الفاسدين في مصارف وبنوك العراق وبيروت ودبي ولندن وغيرها بمئات ملايين الدولارات التي اقتطعوها من أرماق الأيتام والأطفال العراقيين المحرومين..
إن المشكلة ليست في ما نهبوه من قوت الناس ياسيدي، إنما في انتحالهم صفة الولاء لك، وأنت منهم ومن ولائهم براء .. لقد بدأ بعض هؤلاء – وأعرف بينهم واحداً من حرامية سرقة القرن – يعدون العدة منذ أيام لاستقبال شهر محرم .. وراح بعضهم يهيء ديكوره ويرتب قصره، ويرفع من صالونه كل ما يتنافى مع اجواء عاشوراء، ويحذف ما (لا يجوز ) وجوده امام الناس خلال هذه الأيام.. ويشيد مكان (المحذوف) منبراً حسينياً متشحاً بالسواد !!
هكذا بكل سهولة يغتصب هذا اللص ملايين الدولارات من أفواه العراقيين المعدمين في (سرقة القرن)، ثم يقيم مجلساً حسينياً للتغطية على جريمته، وفضيحته، ويتحول بين ليلة وضحاها من لص وفاسد، الى رجل ورع، تقي، يخدم مجالس أبي عبد الله الحسين..!
إن هذا وأمثاله يحاولون بهذه العروض البهلوانية المكشوفة، إيهام الناس، والضحك على ذقون الطيبين، لكنهم في حقيقة الامر يضحكون على أنفسهم، عبر محاولة تمرير فرية هذه (المسرحيات) على العراقيين، بأموال اليتامى والارامل والفقراء، دون خوف من الله، وحياء من الحسين.. وهي أولاً إساءة للمنبر الحسيني، وإساءة أيضاً لأصحاب المجالس الحسينية النزهاء الطيبين من الأغنياء والفقراء على حد سواء !!
إن مثل هؤلاء ينسون أن عين الله ترى أدق الأفعال، وأصغر الصغائر، فما بالك بفعل كبير جداً مثل سرقة القرن!.. لذا اتوسل اليك سيدي أبا عبد الله ان تأتي فقط الى مجالسنا الصغيرة بمساحاتها، والكبيرة بصدقها وطهرها وايمانها، فنحن الفقراء المهمشين، أحق بك من غيرنا .. ليس لأننا محبوك بحق فحسب بل ولاننا مخلصون لقيم الحرية والعدالة والمساواة التي استشهدت من أجلها ..
اما مجالس اولئك الأثرياء، الفخمة – باستثناء الأغنياء الشرفاء منهم – فهي لا تستحق اسمك وحضورك الطاهر الكريم.. فأموالهم حرام، وأياديهم ملوثة بدماء الأبرياء.. فضلاً عن أنهم لايحبونك قطعاً.. إذ كيف يحبون إماماً ثائراً، ويؤمنون بمنهج رسالي، هو أساساً ضدهم وضد منهجهم وسلوكهم ومصالحهم، وأخلاقهم ؟!