بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
أضحت حقولنا النفطية والغازية كلها هدفاً لجيوشهم وتحالفاتهم الحربية، وصارت من الممتلكات الرسمية المؤجلة للولايات المتحدة الامريكية، ومن ثرواتها المخبأة في حوض الخليج العربي. .
هذا ما يقولونه بعظمة لسانهم منذ عقود، وهذا ما يتحدثون به في العلن. . لم يعد الأمر سراً خافياً على احد بعد ان نشروا خططهم الاستراتيجية على منصات التواصل، وباتت في متناول القاصي والداني. لكنك لم ولن تسمع بها من فضائياتنا المرتبطة بمضخاتهم الإعلامية، وربما لا تصدق ما نقوله هنا، أو قد يعترض عليك احد المشككين بنظرية المؤامرة. في حين بامكانك الوقوف بنفسك على الحقائق الصادمة بمجرد البحث في شبكة الجوجل عن العنوان التالي: (Oil fields as military objects) لتقع بين يديك عشرات الدراسات الامريكية التي تتحدث بكل صراحة ووضوح عن خططهم العسكرية للاستحواذ على ثرواتنا المبعثرة في الصحراء، والممتدة من حقول الرميلة في العراق إلى حقول (بساط) في سلطنة عمان. .
فالعرب في منطقة الشرق الأوسط منشغلين منذ سنوات بمشاريع التحريض الطائفي، وبتحليل مباريات كرة القدم، وصفقات التعاقد مع كريستيانو رونالدو وكريم بنزيما. وتهدر منابرنا الدينية والثقافية وقتها كله في الدفاع عن سلاطين الدولة الاموية والعباسية. .
كانت الخطط والدراسات الأمريكية مركونة على رفوف الطابق الثالث داخل مكتبة الكونجرس، وكان من السهل الاطلاع على تفاصيلها، ولكن لا أحد يقرأ. وقد أصبحت متاحة الآن وفي متناول اليد. في الوقت الذي أصبحت فيه حكوماتنا أضعف من أي وقت مضى، فلا جامعتنا العربية تجمع أو تنفع، ولا مجلس التعاون الخليجي يمتلك القدرة في الذود عن حقل (الدرة)، ولا التحالفات العراقية نجحت في تعزيز قوة تآلفها الوطني. بل صار نفطنا مشتتا بين عقود جولات التراخيص، وبين بيعه بسعر التراب إلى الاردن بواقع 10 آلاف برميل، تُنقل يومياً من حقول كركوك إلى مصفاة الزرقاء، وبين عقود (النفط مقابل الغاز) المبرمة مع إيران، بينما تلتهب أجواء البصرة بمشاعل الغاز العراقي المحترق عبثاً في الهواء. .
لقد ظهرت فكرة الاستحواذ على حقول النفط العربية إلى العلن منذ عام 1973 للرد على قرار أعضاء منظمة البلدان العربية المصدرة للبترول (أوابك) بفرض حظر نفطي على الولايات المتحدة، فكان ذلك القرار نقطة التحول التاريخية. فعلى الرغم من رفع الحظر المفروض على الولايات المتحدة في مارس 1974، إلا أن واشنطن تبنت مذاك خطة مستقبلية جادة انبرى بإعدادها الكونجرس الأمريكي عام 1975، تناولت دراسة جدوى التعامل مع حقول النفط كأهداف عسكرية في المنظور الحربي الاستراتيجي. .
اما الآن فقد وصل التصعيد الحربي في مياه الخليج العربي إلى أبعد مراحله، بعد ان منح البنتاغون تفويضه الحربي لقيادة الأسطول البحري الخامس وسمح له بحق الردّ المباشر ضدّ أي هجوم من شأنه أن يُهدّد سلامة الناقلات والمنصات النفطية، على الرغم من ان هذا التفويض لم يخرج حتى الآن عن إطار الحروب الكلامية والتصريحات الإعلامية. .
في المكتبات العربية الآن مئات الدراسات التي تعالج إشكالية ضعف قدرات دول المنطقة، وفشلها في تعزيز أمنها البحري والساحلي. . تستعرض تلك الدراسات مصادر التهديد الاستراتيجي، وتحلل الأسباب والدوافع، وترصد النتائج، وتبحث في الحلول، وتستشرف مآلاتها. ولكن لا احد يهتم بها، ولا يعبء بها أحد. .
أمّة لا تقرأ لا ترقى أبدا. . .