بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
كلما سألته عن كوابيس تلك الليلة المخيفة، كان يستهل كلامه بقوله تعالي: (وأصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون). .
فالذي وشى به عام 2007 كان من موظفي الموانئ، من الذين يعملون معه ويعمل معهم، وتربطه بالواشي علاقة ودية قديمة. كان الواشي من المتظاهرين بالورع والتقوى والنبل والأخلاق الحميدة، ولم يعلم صاحبنا بمكيدته إلا عام 2022. أي بعد مرور 15 سنة على الحادث. .
في تلك الليلة كان صاحبنا يجالس سماحة السيد جاسم الطويرجاوي (رحمه الله) في ديوان الحاج منصور الواقع في شارع اليرموك (اللوندري سابقاً)، وفجأة جاءه من يعلمه بتطويق بيته، فخرج مذعوراً ليجد الهمرات والمدرعات تحكم قبضتها على مداخل البيت ومخارجه، بينما توغلت قوة خاصة داخل البيت، وشرعت بضرب العيال وترويعهم. ولما صار على بعد بضعة أمتار من القوة المداهمة، صاح به أحد الجنود المكلفين بالاقتحام، وكان مقنعاً: قف . . لا تقترب. . من أنت ؟. قال له: أنا صاحب المنزل الذي اقتحمتموه الآن. فسارعوا إلى تكبيل يديه، وربطوا عينيه بخرقة بالية، ثم اقتادوه كما المجرمين نحو مقر اللواء. .
سمعهم وهم يبلغون آمرهم لاسلكياً: سيدي العصفور في القفص. . العصفور في القفص. .
وهكذا ساقوا ابن المعقل إلى المعتقل بلا أمر قضائي، وبلا مذكرة قبض. لكنهم اطلقوا سراحه بعد منتصف الليل. فعاد إلى منزله حزيناً مخذولاً متألماً. كانت أغراض بيته مبعثرة، فقد حطم الجنود كل شيء. وادخلوا الرعب في قلوب الأطفال والنساء. .
الغريب بالأمر ان علاقة صاحبنا ظلت مستمرة مع هذا الواشي على مدى السنوات الماضيات. وكان يتصرف معه بمنتهى العفوية والبراءة. .
قلت له: وما الذي يدور في بالك الآن ؟. فأجابني بروحه الرياضية المرحة، والابتسامة لا تفارق وجهه: لا شيء. نعم. . لا شيء. . ثم استدرك قائلا: من ترك أمره لله، أعطاه الله فوق ما يتمناه. ثم نظر إلى السماء بوجهه المبلل بالتعاسة، وقال: اللهم وكلتك أمري. وأنت خير وكيل. اللهم أختر لي ولا تخيرني. اللهم من أرادنا بسوء من جميع خلقك فاصرف عنا كيده، وأدفع عنا بحولك وقوتك. . ثم ودعني وهو يكرر قراءة هذه الآية: (وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا). .