بقلم:د. كمال فتاح حيدر ..
منذ سنوات ونحن، في عموم البلدان العربية، نلوذ بالخوف والهلع من عدو خبيث، يحاصرنا ويتربص بنا، ويتآمر علينا، ويضمر لنا الشر، ويمنعنا من إحراز النهوض والتقدم. . عدو ضبابي لا عنوان له، ذو وجه زئبقي هلامي الملامح، يظهر ويختفي وقتما يريد الظهور والاختفاء، لكن أنظمتنا الحاكمة هي التي كانت تعرف مكانه، وتقتفي أثره، وتبدي استعدادها لمواجهته، وهي التي تحذرنا منه دائماً. هذا ما يقولونه لنا في السر والعلن. .
أحياناً يسمونه: الطابور الخامس. وأحيانا يعبرون عنه باصطلاح: القوى الشريرة. وأحياناً ينعتونه بالعمالة والخيانة، وتارة يقولون انه يرتبط بالماسونية والخنفشازبة والزنكلونية، لكنهم اختزلوا اعداءنا الوهميين في السنوات الأخيرة، فأشاروا اليهم في بياناتهم السياسية بالضمير: (هم)، ثم اكتشفنا ان (هم) عبارة عن ضمير وهمي منفصل تماماً عن الحقيقة، مبني على السكون الذي يسبق العاصفة، في محل قلق تم تصنيعه وإنتاجه في أقبية الأنظمة الماكرة. حيث لا يُلام الذئبُ في عدوانه، إن يكُ الراعي عدوَّ الغنمِ. .
فصناعة (العدو الوهمي) من أقدم الصناعات العربية المحلية التي ابتكرها قادة الأنظمة الاستبدادية لضمان ديمومتهم، وضمان بقاءهم على سدة الحكم لأطول مدة ممكنة. .
صار (العدو الوهمي) من الشخصيات الخرافية المتغلغلة في عموم بلدان الشرق الأوسط وفي الشمال الإفريقي. فمتى ما اخفقت الحكومات الفاشلة في الايفاء بوعودها الكاذبة، كان (العدو الوهمي) هو المتهم الذي تسبب بمتلازمة العثرات المتكررة. وأحياناً يكون (العدو الوهمي) ذريعة لفرض قانون الطوارئ، أو فرض الأحكام العرفية، التي تمنح الحكومات الحجج والمبررات لكي تصادر الحريات، وتتصرف كيفما تشاء بالمال العام. .
اما في العراق فقد تخلصت الحكومات المتعاقبة من خدعة (العدو الوهمي)، ووجدت ضالتها في (الطرف الثالث)، وأصبح هو المتهم بضرب المتظاهرين، وهو المتهم بحرق حقول الحنطة، ونفوق الاسماك في نهري دجلة والفرات، وهو المتهم بظهور عصابات مسلحة تمنع الدوام الرسمي في مدارس ذي قار، وفي عرقلة الانتخابات في بعض المراكز، وفي تفشي المخدرات في القرى والأرياف. . واصبحت أصابع الاتهامات موجهة دائماً ضد هذا الطرف الذي لا عنوان له. .