بقلم: فالح حسون الدراجي ..
أنا أشجع منتخب العراق الحالي لأسباب وطنية محضة، وليس لأسباب رياضية فنية جمالية، لأن منتخب العراق الحالي لا يملك أي سبب من الأسباب الفنية الكروية، ولا يتوفر على أي ملمح من ملامح الجمال الكروي.. وبالمقابل فأني أشجع نادي برشلونة لأسباب رياضية فنية محضة، لأني بصراحة ضد سياسة برشلونة الإنفصالية، بل أنا ضد انفصال أي إقليم عن وطنه الأم .. بدءاً من اقليم كردستان وليس انتهاءً بإقليم كاتلونيا الإسباني ..!
وأظن أن الملايين من العراقيين يتفقون معي في أن منتخبنا الكروي ( الرجالي) الحالي لا يغري على المشاهدة، ولا يدفع نحو تشجيعه، لولا العامل الوطني، الذي يجبرنا على دعم منتخبنا واسناده..
نعم، فالمنتخب العراقي الكروي الحالي يفتقد للأداء الفني الممتع، فهو ليس ذلك المنتخب الفذ الذي كنا نشجعه أيام زمان، وكان تشجيعنا لمنتخبنا ذاك يأتي لأسباب وطنية ورياضية وفنية أيضاً.. إن منتخب فلاح – هادي – فلاح – هادي.. گووووووول .. هو منتخب الإبداع والعطاء الفني، واللعب الجماعي الجميل، وفريق المهارات الفردية العالية، والقوة، والسرعة، فضلاً عن الولاء الى الفانيلة التي يرتديها لاعبوه، وإخلاصهم للعبة. ولم يكن منتخب هادي وفلاح وعلي كاظم ومجبل فرطوس وعبد كاظم ورعد حمودي ودگلص عزيز ورياض نوري وعادل خضير وكاظم وعل، وطارق عزيز، وضرغام الحيدري وزملائهم، هو المنتخب الوحيد الذي نال تشجيعنا واستحق مديحنا، إنما كان أيضاً منتخبنا الوطني الذي أشرف على قيادته في فترات عديدة، المدرب القدير عمو بابا وكذلك واثق ناجي، والذي ضم اللاعبين حسين سعيد واحمد راضي وكريم صدام وناطق هاشم وباسم قاسم وغانم عريبي وراضي شنيشل وليث حسين وسعد قيس وحبيب جعفر ونعيم صدام وجمال علي وعباس عبيد وعماد هاشم وبقية عقد اللآلئ التي ظل بريقها مشعاً حتى بعد اعتزالها..
وكي أكون منصفاً فإن المنتخب الذي ضم يونس محمود ونشات اكرم ونور صبري وعلي حسين وقصي منير وبقية المجموعة التي مثلت منتخب العراق في مطلع الالفية الثالثة لم تكن أقل موهبة وروعة وفناً واخلاصاً من زملائهم الذين سبقوهم في اللعب الى المنتخبات الوطنية.. لكن التراجع الخطير في مستوى المنتخبات العراقية قد بدأ مباشرة بعد فوزنا بكأس آسيا عام ٢٠٠٧ ..
وللتوضيح، فانا هنا لا أريد التعرض الى لاعبين معينين، كما لا أقصد أيضاً الاستهانة بأي لاعب من اللاعبين العراقيين، الذين أكنّ لهم احتراماً عالياً، لكن المشكلة كبيرة وخطيرة، تحتاج الى التأشير بالإصبع الكبير، والى التشخيص بصراحة حتى لو أغضبت البعض، وبدون هذه الصراحة، لن نحصل بعد عشرين قرناً على كأس آسيا، وليس على كأس العالم !
إن حالة التراجع والتردي الفني التي أصابت الكرة العراقية لم تصب عدداً محدوداً من اللاعبين، إنما أصابت جيلين أو أكثر من أجيال الأسرة الكروية (الدولية) العراقية .. لذلك، تجدني قلقاً وخائفاً على مستقبل اللعبة في العراق..
وقد يقول البعض: لكننا فزنا ببطولة خليجي ٢٥ !
وأقول: نعم، ولكننا فزنا على المنتخبات الرديفة، وليس المنتخبات الأصلية. ناهيك من المستوى الفني المهزوز الذي ظهر به منتخبنا في البطولة.. وللأسف، فإنه في تراجع وانحدار كروي متواصل لا يتوقف .. ورغم ذلك فإننا جميعاً نشاهد ونلاحظ هذا التراجع، دون أن نفكر بإيجاد حلول جذرية وحقيقية لانتشاله من الوضع الذي صار فيه، بل على العكس من ذلك، فأن بعضنا راح يصوغ المبررات، ويسطر الأعذار، وينتج (الشماعات) الملائمة لتعليق أسباب التراجع، بدلاً من العمل على كشف الخلل، وتوفير الحلول الناجعة لمعالجته.. ! ولهذا السبب نجد أن منتخبات البلدان العربية والآسيوية، والمنتخبات الاخرى، تتقدم عاماً بعد عام، بينما تتراجع كرتنا العراقية ممثلة بمنتخباتنا الوطنية يوماً بعد يوم ..
فلا نتائج تستحق الذكر والفخر، ولا متعة كروية، ولامستوى فني (بيه خير)!
ولا أكشف سراً لو قلت، إني لم اكمل مشاهدة أي مبارة لمنتخب العراق (الأول) حتى نهايتها، لأن مستوى هذا المنتخب لا يسمح بإكمال التسعين دقيقة في مشاهدته.. إذ كيف تتحمل الأعصاب رؤية فريق يلعب بلا خطة، ولا تكنيك جماعي.. ولا تجد له انتشاراً صحيحاً في الميدان، حيث أن لاعبيه لا يعرفون أين يقفون في الملعب!.. أما المهارات الفردية لأغلبهم فهي هزيلة.. إذ من يصدق مثلاً، أن قلب دفاع منتخب العراق الدولي يفشل اكثر من مرة في إخماد الكرة بقدمه أو بصدره!
ناهيك من التخبط العام واللعب الارتجالي الذي نسميه (هوسة ياريمه) !.
إن من يشاهد منتخبنا الحالي يشعر بالألم والاحباط والحزن والكآبة لما وصل اليه الحال، بل ويشعر بالغثيان أيضاً من طريقة وأداء لعبه.. إذ لا يجد مشاهدو منتخبنا الوطني طوال ساعة ونصف غير الشوت، والكرات العالية، والبطء وفقدان اللياقة البدنية، فضلاً عن خشونة المدافعين غير المبررة .. لقد كان عبد كاظم قوياً، ومجبل فرطوس عنيفاً، وناظم شاكر خشناً، وعدنان درجال صلباً، لكن شتان ما بين قوة وخشونة أولئك، و(چلاليق) هؤلاء..!
أما حراس المرمى الجدد، فحدث بلا حرج، لأنك لا تملك فيهم غير الحديث اللامحرج، والحسرة والالم حين تتذكر المستوى الذي كان عليه ستار خلف ولطيف شندل ورعد حمودي وفتاح نصيف وجلال عبد الرحمن وكاظم شبيب وعماد هاشم ونور صبري وغيرهم من الأسود..
وثمة ملاحظة أود ذكرها هنا، فقد لاحظت أن مدافع منتخبنا العراقي الحالي يشعر كأنه (مسوّي فضل عليك) حين ينقذ مرماه من كرة خطيرة، أو حين يستحصل الكرة من قدمي الخصم، إذ سيطيح بالكرة حالاً دون اكتراث .. والسبب: (لأنه استحصلها من أقدام الخصم، وله الحق في أن يتصرف بها بمزاجه حتى لو أضاعها )!!
وباختصار، أنا لا أنتظر من منتخبنا الفوز بكأس العالم، ولا بكأس آسيا مرة ثانية، لأني أعرف انه غير قادر على تحقيق ذلك، ولا أطالبه أن يلعب بنفس مستوى منتخبات رجال الارجنتين والبرازيل واسبانيا والمانيا وانگلترا والنرويج وكرواتيا وغيرها، لأني أعرف أن تحقيق ذلك الآن مستحيل تماماً.. لكني فقط أطالب منتخبنا الرجالي الدولي ان يلعب بمستوى وفنون منتخبات سيدات الولايات المتحدة أو فرنسا، أو المانيا، أو اسبانيا، او البرتغال، أو حتى بمستوى منتخب نساء جنوب افريقيا أو اليابان أو كوريا الجنوبية!..
إن الذي استفزني ودفعني لكتابة هذا المقال، هو المستوى الفني العالي الذي تظهر به المنتخبات الكروية النسوية في كأس العالم للسيدات المقامة الآن في أستراليا ونيوزلاندا لا سيما مباريات منتخبات أمريكا وفرنسا والبرازيل واسبانيا وايطاليا وانگلترا والبرتغال وغيرها من الفرق الكبيرة مقارنة بالاداء السيء العام لمنتخبنا (الرجالي) . وعلى سبيل المثال تابعت مع ابني قبل يومين، مباراة منتخبي البرازيل وفرنسا .. وقد أبهرنا الاداء النسوي الراقي، والسرعة والقوة، كما سحرنا الفن الكروي الذي قدمه هذان الفريقان، لاسيما منتخب فرنسا.. وقد فاجأني ولدي بسؤاله حين قال: بابا منو تتوقع يفوز اذا يلعب منتخب العراق (الرجالي) امام منتخب فرنسا (النسائي) او امام نساء امريكا او نساء البرازيل، أو غيرها من المنتخبات النسوية المشاركة بالبطولة؟!
لم أجب عن سؤاله، لأني لا أمتلك مثل هذا الجواب
خاصة وأن هناك فوارق فسيولوجية جسمانية بين الرجال والنساء تلعب دوراً في تحقيق النتائج..
لذلك قررت كتابة هذا المقال، أحيل فيه سؤال ولدي الفنتازي والسريالي الى القراء الكرام، فهم أدرى مني حتماً، وأجدر بالجواب عليه !!